كان رومانسياً حالماً، متفائلاً في تعابيره، هكذا سيصفه لك أقرانه من أهل المقام، حين تسأل عن الراحل "حسن خيوكة"، لم تدم تجربة الجمال طويلاً، حيث رحل بعمر الخمسين، ولد "حسن خيوكة" في عام 1912 في بغداد.
بقيت سيرته محليةً وهو يستحق العالمية والوصول الأكبر، كان صوته من فصيلة "الباس"، تغلب القرارات على صوته فلم تكن أغلب المقامات متناسبة معه، متأثراً بالقبانجية ككل معاصريه حينها، واقتصر في ما قدمه على المقام العراقي، فأضاف زخارفاً وزياداتٍ يمكن القول إنها لم تكن بسيطة، حيث تميزت عن ما قدمه الأخرون.
بدأ في إذاعة "قصر الزهور" التي أسسها "الملك غازي" عام 1937 أول تسجيلاته هناك، ثم انتقل في العام 1941 إلى إذاعة بغداد وغنى عدة مقامات، واشتهر بـ "الرست"، وقدم هذا المقام الذي أعده "وديع خوندة" بمرافقة التخت البغدادي للإذاعة والتلفزيون بقصيدة حفيد ابن الفارض، "الشيخ علي" حيث استهل القصيدة بأشعار "عمر ابن الفارض" واتبعها بما كتبه "الشيخ علي":
إنْ كانَ منزلتي في الحبِّ عندكمْ ما قد رأيتُ، فقد ضَيّعْتُ أيّامي.
كذلك قدم مقام "الدشت" حيث ضمنه وزناً ايقاعياً، اختلف عن الذين سبقوه في هذا المقام وكان يحاول دائماً التجديد ولو بأبسط نغمة أو ايقاع، مما ترك أثراً يٌشهد به وله إلى اليوم.
لحن أغانيه التي تبعت المقامات التي غناها، فكانت أغانيه التي قدمها تأخذ خطاها لتصبح التراث في يومنا هذا، حيث قدم "من البير لو مي شربت ... بالك تدب بيها حجر" و "لو عاشرت" و "ما ريده خلي يروح"، لكنه لم يبتعد عن القواعد الأساسية للمقام وقدم "البستة" بنفس الصدق الذي قدم به المقام.
"مطرب الوقار" مارس عدة أعمال قبل إعطاء الوقت كله للمقام، فعمل في شركة الترامواي بين بغداد والكاظمية، وعمل في وزارة الصحة، وفي محل للسراجة قرب الرصافة.
نقل الواقع العراقي ومآسيه في المقام، وكان الحزن مستشفاً في الكلمات إلا أن ما ميزه هو تقديمه للمقام بصورة غير هروبية بل بتفاؤل لم يسبقه له أحد، فكان ذا تعابير حالمة وجمال أدبي فاقت التصور.
حين أمسكه الفقر والشلل من مفاصل حياته وجسده، بقي قلبه حالماً طيلة عامٍ من الصراع، حيث لا شدو مقام يشفي أجساد، بل يمسك القلب فقط، فرحل في خمسينه عام 1962، وشيع جثمان الوقور ومطرب الوقار، قلة قليلة من ذوي الاختصاص والأهل، حيث لا أضواء سُلطت على مسيرته، وإنما سلط الضوء في يومنا هذا لكثيرين.