لم يكن قبل العام 1986 هناك مبنى مخصص يحمل توقيع أعظم صانعي أفلام الخيال و الرسوم المتحركة بشكل عام، حيث لم يكن يوجد ما يحمل شعار “توتورو” بعد ( شخصية روح الغابة في فيلم “جاري توتورو” لـ(هاياو مايازاكي)، كانت شراكة الثنائي العظيم (مايازاكي و ايسوا تاكاهاتا) تنتقل بين أسماء استديوهات لصناعة أفلام الرسوم المتحركة، حيث بدأت مع فيلم "الأمير الصغير" الذي كان ناجحاً من الناحية التقنية الا أنه فشل بالشهرة والدعاية(حيث عُرض لمدة عشرة أيام فقط ! )، مما دفع ( استديو تويي _ Toei ) لعزل تاكاهاتا، والذي أدى بدوره لترك مايازاكي والانطلاق مع صديقه لصناعة أفلام ومسلسلات، مع شركات متفرقة .
لم يبتعد (مايازاكي) عن صديقه طويلاً، قدم عمله الذي فاق التوقعات (Nauscica of the Valley of the Winds _ ناوسيكا أميرة وادي الرياح) من إخراجه والذي أنتج من قبل ( استديو تويي _ Toei ) أصول الفيلم تأتي من أول مجلدين في المانجا المتسلسلة كتبها مايازاكي للنشر في (أنيماجي _ Animage) "المجلة الاولى التي تعنى بالرسوم المتحركة أفلاماً وقصص الكوميك، والتي كانت موجهة لعامة الجمهور وليس الاحترافيين فقط ".
"توشيو سوزوكي" كان جزءاً من فريق الإنتاج في الفيلم وأسس (استديو جيبلي) مع مايازاكي، الذي دعا أيضاً "تاكاهاتا" للانضمام للفريق، والذي كان قد بدأ بالتفكير بإنشاء المكان الذي سيؤمن لهما انتاج أفلام على نفس المستوى، فكانت البداية مع( Laputa: Castle in the Sky) في 1986، وبدأت سلسلة الأفلام الناجحة التي أغنت ذاكرة وأرشيف السينما بشكل عام، حيث تناولت أفلام تاكاهاتا التي امتازت بالواقعية والمشاعر التي كانت قصص من الواقع المعاش كما في رائعة الكارتون الأكثر شهرة (The grave of fireflies _ قبر اليراعات )، وفي الجانب أبدع مايازاكي في الجانب الخيالي الذي يلامس قلوب المشاهدين ويأسرهم، والتي استندت على حكايات من الحرب والحب والسحر، مع موسيقى (جو هيسايشي) الذي قدم الموسيقى لكل أعمال مايازاكي مع الاستديو .
في البداية كان يعمل 90 شخص في مساحة 300 متر مربع ،مما كان مربكاً رغم نجاح الفيلمين الأوليين، هذا الأمر الذي دفع "مايازاكي" لطلب توسيع الاستديو، وافقت الشركة الممولة على طلبه، وبدأ مايازاكي بالإشراف على توسيع الاستديو، في المكان الذي أراده مريحاً، ليتربع مبنى الثلاث طبقات وأكثر من مئة عامل، على مساحة أكبر من 1100 متر مربع في طوكيو، أبصر المبنى الجديد النور عام 1992 بالتزامن مع خروج فيلم (Porco Rosso _ الخنزير القرمزي) للنور .
حين قرر (مايازاكي) تسمية الاستديو ب (جيبلي)، كان يستند على الاسم الذي شاع خلال الحرب العالمية لطائرات الاستطلاع الايطالية، والتي سميت على اسم الرياح التي كانت تهب على ليبيا من جهة الجنوب/ القبلة (الرياح السامة أو رياح البحر الأبيض المتوسط )، وأرادها مايزاكي أن تحمل رياح تغيير في فن صناعة الرسوم المتحركة، وكان له ذلك.
العلاقة الوثيقة بين استديو "غيبلي" ومجلة "أنيماجي"، أتاحت وجود مقالات وطروحات بانتظامٍ لأفكار من الاستوديو وأعضائه في زاوية (ملاحظات غيبلي)، حيث كانت عمل فني من أفلام جيبلي والأعمال الأخرى أو حديث مع أحد المخرجين كمقابلات وتوضيحات لأفكار في الأفلام السابقة والقادمة، والتي كانت تتصدر غلاف المجلة بين عامي 1999 و 2005 .
الاستديو التابع ل(توكوما شوتين)، ناشر أنيماجي التي توصلت لعقد مع (والت ديزني) لنشر أعمال الاستديو عالمياً، في 1996، الاستديو الذي بدأ ببناء امبراطورية من الشهرة والجمال بعد نجاحات أفلامه المتلاحقة، وصولاً للأوسكار عن طريق فيلم (المخطوفة – Spirited away 2001) الفيلم الذي وضع مايازاكي في المراتب الأولى لصنّاع الرسوم المتحركة حيث كان أول فيلم قدمه ميازاكي 100% باستخدام الكمبيوتر، وأول نتاج للاستديو يحقق إيرادات (200 مليون دولار) حول العالم ليكون أعلى الأفلام إيرادا في السينما اليابانية، حيث حاز الفيلم على 36 جائزة و 19 ترشيح (كان أول فيلم كارتون يحصل على جائزة الدب الذهبي غولدن برلين فستفُال 2002) .
وفي عام 2001 أفتتح متحف جيبلي في طوكيو ،الذي كان مستنداً لأعمال من أفلام الاستديو كمجسمات الشخصيات والأزياء والتفاصيل الصغيرة كالطعام الياباني الذي كان حاضراً بشكل أتاح للمشاهد التعرف عليه من خلال أفلام الاستديو، كما تم عرض أفلام قصيرة، وأفلام خاصة بالمعرض .
كانت سياسة الاستديو صارمة، لا تحرير ولا اقتطاع أو تعديل في أي فكرة، فبعد نجاح (ناوسيكا أميرة وادي الرياح) تم اعتماد هذه السياسة، حيث حاول "هارفي وينشتاين" رئيس شركة (ميرامكس – Miramax) المشاركة في التسويق، تعديلات على فيلم (الأميرة مونونوكي) لجعله أكثر قابلية للتسويق، قوبل بالرفض حيث تم ارسال رسالة السيف الياباني الأصيل (سيف ساموراي ) مفادها (لا تعديل) .
تتالت أسماء المخرجين والرسامين الذين عملوا في استديو العجائبط والغرائب، فكان "يوشيفومي كوندو"، "هيرو يوكي موريتا"، "غورو مايازاكي" و"هيرو ماسا يونيباياشي" من العاملين على انتاج أفلام لا تقل قيمةً عن أفلام الثنائي تاكاهاتا و مايازاكي الذي اعتزل في العام 2013 قبل خروج فيلمه الأخير ( The wind rises _ الريح تعلو) لصالات العرض والذي نال ترشيحاً للأوسكار والغولدن غلوب .
في 3 آب عام 2014 أعلن استوديو جيبلي الإيقاف المؤقت لإنتاجه وذلك بسبب تقاعد (مايازاكي)، الأمر الذي ما زال معلقاً وتم اعتباره مجرد فترة راحة، للتفكير بمستقبل الاستديو بحسب تصريح المنتج (توشيو سوزوكي) .
يبقى أن نشير إلى أنّ الاستديو وصل بجهود الثلاثي ( مايازاكي، سوزوكي، تاكاهاتا) إلى الشهرة التي قلّ نظيرها لأي استديو أخر، ونجاحات لم ينتهي الحديث عنها حتى هذا اليوم، إن الاسم الذي صنعه (جيبلي) للأنمي يكاد يكون الأوسع والأشهر عالمياً، بدءاً من الثمانينات وصولاَ ليوم اعتزال مايازاكي وتوقف الانتاج، وكانت الأرقام في شباك التذاكر تتحطم مع كل تقدم للاستديو مع عجلة الانتاج التي لم تتوقف، كما أن تطوير أساليب الانتاج والتصوير الاخراج ساهمت بشكل كبير بمنح المشاهد أفلاماً على مستوى عالمي، المستوى الذي جعل الاستديو أبرز مصانع الأنمي والأكثر شهرةً.
________________________________________
** محمد حاج حسين - كاتب سوري
* الصور من الانترنت