08 Jan
08Jan

قال: لا أذكر أي شيء كنتهُ، قبلأن أصير ظلًاً.

وقف أمام المرآة،عاريًا

عاريًا تمامًا.

مثلما ينبغي لظلٍ أن يكون.

أخذ يقلد كل الأشياء.

صار كرسيًا وقال: لاأذكرُ رائحة الخشب القديم.

لم أكنّه.

صار مشجبًا وأخذتالمعاطف تتدلى من رقبته.

صار بابًا، وأخذيُغلق كل حين، دون أسباب واضحة..

صار ستائر لا تمنعالليل من التدفق..

صار ليلًا يهبط الدرجويختفي في العتمة.

جرب كل الأشياء وقال:لا.. لم أكنّها.

وقف عاريًا أمامالمرآة

وكانت حياته ترشحُ منالسقف

و جدران البيتالقديم.. كانت تشبه ثوبًا مرقعًا.

وجد جثةَ رجلٍ تستريحعلى الكنبة وقال:

لربما كانت جثتي.

فحص معصمهُ المذبوحبسكين الفاكهة وقال:

يبدو مألوفًا.

راقب نظراته المثبتةعلى شيء مجهول وقال:

لربما كنتُ حزينًاوقتها.. لا أتذكر ولا أفهم.. لكن، لربما كنت حزينًا.

يذبح المرءُ نفسه،أحيانًا، حين يكون حزينًا.

رفع ذراعه المتدلية،وجلس قليلًا..

أناسٌ داخلون..

أناسٌ خارجون

أناسٌ يأتونويذهبون..

وكان هو، جالساً هكذا..لا يأتي، ولا يذهب.

أناس يبكون في كلزوايا البيت..

أناس يسرقون أشياءالميت القديمة

أناس يحملون الجثةويمضون خارجًا..

أناس يتسللون، واحدًاواحدًا..

من حياته القديمة،

إلى الليل المتعب فيالخارج.

صار بابا وانغلق فجأةوراءهم، دون أسباب واضحة.

صار أمًا حزينة، وأخذيرقب، من وراء النافذة، خطواتهم المبتعدة.

صار يدًا وجر الستائربعنف، صار يدًا وأغلق النافذة والأبواب المشرعة والمصابيح المضاءة.

صار عتمةً والتحفالبيت القديم.. صار وحشةً وأخذ يزفر في الجو.

بدا سعيدًا تمامًا..

وكان صوت حياتهالقديمة يرن في ذاكرته..

وقف أمام المرآة،عاريًا تمامًا.. مثلما ينبغي لظلٍ أن يكون.. وقال:

الآن.. الآن أستطيعأن أتجول في المنزل..

دون أن ألف مئزرًاحول خصري.

_____________________________________
** آلاء حسانين - كاتبة مصرية
* الصورة من فيلم "حصان تورينو" للمخرج (بيلا تار)

تم عمل هذا الموقع بواسطة