ـ مُتعةُ تحطيمِ الأشياء، طحنها بِيدينِ عاريتين، تحويلها لشيءٍ غير مألوفٍ وغيرُ مُشابهٍ لِخامِها، يأسٌ بِأن تعود كما كانت قبلاً، حتى إن تشابهتْ قليلاً عندما أصحو، سيكونُ الأمرُ قد صارَ بالياً، قد أجد لِذةً طُفوليةً ما عندما يُرغِمني خيالٌ بالغوصِ عميقاً في ذاكرةِ السمكة التي أحتفِظُ بها، الموسيقى نفسها، بِنفس المقاطع التي أحتقرها وأُخرى سأبني معبداً من أجلها، الموسيقى نَفسُها، الحديثُ الشيّق نفسهُ، بِنفسِ الدهشةِ كلّ مرة، الأكاذيبُ نفسُها، التصديقُ نفسه، الحقيقةُ نفسُها، انعدامُ العيشِ بعيداً هذا الحد.
مُحاولاتٌ بائسة ومُتكررة طوالَ اليوم بِإقناعِ الوقت بِأن يشتري مُسدساً رخيصاً ويُطلق رصاصةً على رأسه بعدَ كأسهِ الثانية، بعدها، سأُعيدُ نفسَ الموسيقى، بِنفس الدهشة، سأسكبُ كأساً ثالثاً.
*
ـ سأُحاوِلُ في وقتٍ ما أن أُصبِحَ حوتاً، أنفُخُ الماءَ عالياً، ضخماً بِما يكفي لِأن افتَعِلَ مللاً، أُشعِلُ شوقاً وأُخمدهُ فوراً، أتظاهر بِأنني شيءٌ آخرَ، كائِنٌ بريّ، أحفِرُ جُحراً وأعيشُ به، أنقُشُ ما بقيَّ من مللٍ حينَما كُنتُ حوتاً على جُدرانهِ، أُحاولُ تغييرَ الألوانِ كلّمرة، أدعُ يداً جديدة تَعبثُ قليلاً بِاللغةِ المَكتوبة، أُصابُ بالجُنون أثناءَ سماع موسيقى كلاسيكية أُحبها، أبتَكِرُ سبباً لِلبقاء وأُلاحِقهُ، أُطاردهُ حتى أتمكنَ منهُ وأحفِرُ حُفرةً تُناسِبُه بجانب بقايا أحلامٍ أحتفظُ بها داخلَ عُلبةٍ صغيرة.
*
ـ أن تَعيشَ بوجوهٍ رمادية غير حالمة، تَعيشُ اليومَ بِالحكيِّ عن البارحة، عندما كانوا جميعاً على قيدِ الحياة، عندما كُنا، أن تُغلق ستائر شبابيك الغرفة لِتُحافظْ على بقائكَ كائناً ليلياً.
*
ـ ما زالَ مُنتَصف الليل لم يهدأ، ما زلتُ ألتَقِطُ أحلامَ يَقظة وأقومُ بِخنقِها بِبُطء.
..
ـ يُصبِحُ الأمرُ عادةً بعدَ فترة، أن يَكونَ الاختبِاءُ في جُحرٍ مُغلق تنمو بهِ كلّ يومٍ نبتةٌ صغيرة مقتولة، تُلَقِنُ موتها لِجميع من يُحدق بها أو يلمسها، تُحيي موتاً خائِفاً ينتشِرُ كما تمسّكتْ جُذورها بتفاصيل بحثٍ عن ليلٍ يشبِهُ بِعتمتهِ عتمةِ عِناق صوتَ من غابْ، مازالوا جميعاً يتنفسونَ هُنا. رُميتُ ألتقِطُ بقايا الهواءَ المرثيَّ نفسَهُ.
*
ـ موسيقا، بعضُ الهُراء الذي نفتخِرُ بِوحدتهِ في حرقِ حُطامٍ يِتكاثرُ بِقسوةٍ سخيفة، عندما لا تدعُكَ التفاصيل أن تغفو، آملُ حقاً كلّليلةٍ بألّا تنتهي مساحةُ الجدار، أن أبقى مُحدقاً ببقايا رحيلٍ يتكررُ كلّ يوم، استمرارُ خيالٍ بعيشٍ يُنقذ مدَّ وجزرَ رِئتينِ لِهُدوئِهما مرةً أُخرى، كَحوتٍ يَقبعُ سجيناً داخِلَ موجٍ يَلتَهِمُ صمتاً مُتربصاً، حينها، ستبقى مُمتناً لِسُخفِ التئامِ ندبةٍ بِقليلٍ من الأوتار.
ـ لِأن الحلَّ الوحيد الآن هو النظرُ للسماء والاقتناع بِأنها هي نفسها فوقنا، هيَ ليست الشيء الوحيد الذي أراه ولا أستطيع لمسه، أستطيعُ أن أتخيل صوتها، رائحتها، كلّ التفاصيل المتعلقة التي أُحاول عدم إفلاتها كلّ ليلة.
ـ المسافة، البُعد، أغبى خطيئة ارتكبتها الأرضُ حتى الآن.
*
ـ عندما غفى أملُ الانتظار قليلاً، ندبةٌ لم تُشفى.
___________________________________________________________________________________
*اللوحة للفنان موريس اوتريللو