أفضلُ حكايات الجدات البسيطة وتخاريفهن الطيبة، على قراءة وجوديات سارتر وعدميات نيتشه، أو قضاء حتى دقيقة واحدة في التفكير بإسقاطات فرويد النفسية، أفضل المشي القفز الرقص الثمل البكاء الضحك القبل العناقات.... الخ، على أن أفهم هذا الوجود أو ماورائيات التكوين البشري.
لقد كُتبَ الكثير عن النفس الذات الوجدان.....الخ.
لقد كتبتُ كثيرا عن نفسي وكثيراً ما انسلخت عن نفسي، كما تُعتق الأفعى جلدها حاولت الفهم مراراً، وفشلت ولم يعد يعنيني الأمر.
أمام المرآة حين أكون وحدي، أكون أنا أما غير ذلك لا أكون نفسي أبداً، ولماذا أكون نفسي بينما أستمتع بمراقبة الكذب وهو يسيل من بين شفتي كمعجزات صغيرة.
لكن أمام المرآة، أصرخ، أحكُ الغياب في جسدي، أصيبه بالكدمات، أغضب أبكي أضحك أهلوس أشتم، وأقذف حقدي من كلّ شيء حين أبصق على كتلة اللحم المنعكسة أمامي، أعود للخلف قليلا أراقب نتوءات جسدي ما نقصت من وزن ما كسبت من وزن، أفحص أماكن الشامات الجديدة بدهشة لكن كلّ هذا لا ينفع، أريد أن أرى أحشائي، أريد أن أرى ما في داخلي من خراب، أريد أن أقبض على حزني لم على هذا أن يكون معقداً إلى هذه الدرجة.
سبع سجائر متتالية في الصباح الباكر كافية لإصابة رئتيك بثقب مميت، خلال سبع ثوان /دقائق/ ساعات/ أيام/ أشهر/ سنوات، أو قد يكون حظك جيداً هذه المرة وينجو موتك من سرطان الرئة السخيف هذا.
الحياة مقامرة سريعة.
المعرفة انتحار بطيء.
كيف تحب أن تموت؟
لم أفكر بهذا حقاً، ولا أحب أن أفكر به، إذا كان ولابد من موت أحبه أن يكون هادئاً باهتاً دون حزن ولا بكاء، لا أريد لأحد أن يحزن من أجلي.
في البيوت القديمة لم أعلق صوراً للذين ماتوا، كنت أعتقد أنك تسخر من الأموات بهذه الطريقة كيف تكون قاسياً ووقحاً لهذا الحد حتى تستفز ركود دمهم بجزئيات حياتك اليومية السخيفة.
الفارق بينك وبين أي ميت أنك جثة تتنفس تعبها كلّ لحظة، تشهق حزناً وتزفر حزناً.
جثة تمشي على قدميها وتشتري الخبز في الصباح دون أن يخاف منها أحد.
أنت انعكاس لحظي للموت وسط هذا الخراب المؤقت.
هات يدك
قُل لي لماذا لم نعد نشعر بالبرد بعد الآن، لماذا لم نعد نشعر بأشياء كثيرة منذ أن أصيبت الطفولة فينا بداء الوقت.
الوقت، ما الوقت؟ أيها الطفل الكسول ولماذا تترك عينيك مفتوحة حين تنام من لازلت تنتظر هنا.
لن يهدد حلمك أحد.
لماذا تنام مفتوح العينين إذاً.
من تنتظر أن يمد يده ليقيس حرارة الحزن فوق جبينك الكهل فأنت منذ ولدت لم تملك أباء ولا أمهات، ولدت دون أخوة.
وحيداً كنت تنتظر اكتمال المعنى في جوفك الفارغ.
لم يسألك أحد عن اسمك ولا عن لون دمك.
كنت طرياً بسيطاً، تأكلّ حين تجوع تشرب حين تعطش وتضاجع حين تنتصب غريزتك، كنت تنظر بارتباك إلى الوجوه الغريبة، وحين تشعر بالذعر كان يهرع من قفصك الصدري قطيع من الذئاب يجري في حقول دمك الملوثة بالشك.
لماذا تنام مفتوح العينين إذاً.؟؟
ولمن تبتسم في جنازتك العابرة، لمن ترخي حبل السخرية بعد الآن؟؟.
ولأي سبب تحصي خراب رئتيك والذاكرة؟!
أمسُك تبدد، وغَدُك سيتبدد، أنت ومضة سريعة بين عدمين، فلماذا لازلت حزيناً وفي وجه من تريد أن تصرخ الآن.؟
لن يهتم لذلك أحد تماما كما كنت لا تهتم أنت أيضا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الصورة من فيلم الختم السابع (اينغمار بيرغمان)