16 Jun
16Jun

أنا.

شرخٌ فظيع يشوّه وجه العالم، عجزٌ خام، وليد نصف الأشياء التي كنتُ أحظى بها دوماً.

أنا.

نصفُ اسم، ونصف قدرة .

ونصف ملَكة لأكتب، ونصف صوت استهلكته كثيراً في الصّراخ ولم أعد أغنّي.

نصف نظرة حظيت بها من الذين هتفت باسمهم كثيراً كي ينتظروا.

نصف حب و نصف اشمئزاز يعتري النّصف قبلة التي تطبعها أمي، نصفَ طباعة على خدّي قبل أن تبلعَ ريقها من عينيها.

من كلّ أحلام العالم، أنا نصف .

كذلك نصف قدرة على الحبّ، قدرة على التحمّل.

ونصف ساعة أستغرقها لأجيب عن أي شيء ، و لو كان اسمي!


أنا

جثّة العالم فاغرة الفم، أركل الكوكب بيسراي المبتورة.

أنا نصف القصة التي باعوني ليكملوها، و ظلّوا يقتتلون بنصفي الآخر.

أردتُ أن أكونَ مجرّد قوامٍ نحيل مستقيم ، ينعم بإضاءة المسرح هذه، يُرمى بالزّهر المُتخمِ بالاحمرار، وبطاقات الفتيات السّاذجات الممدودة كامتداد الموت في هذه المدينة .


أنا هنا الآن ..

على هذه الخشبة، أصغي لجسدكِ وهو ينهالُ عليّ كقُبلةٍ انتظرت طويلاً، يصفعُ باطن شفتيّ، يقضم لساني عن طريق الخطأ.


أنا هنا الآن..

على هذه الخشبة، أستعرضُ مونولوجاً رديئاً يمجّد وجه الأرض التي أمقت، رجلٌ مستقيم الساق ، معقوف الكتفين، يحملُ مسدساً رخيصاً، يحشوه برصاصة واحدة، أن لم تنجح محاولتي هذه بالرّحيل ، سأبقى للأبد!


أنا هنا الآن ..

على هذه الخشبة، تتابعني عيونٌ تنقضّ على أي شيء تكشف عنه هذه الإضاءة الخافتة، خلفي فتاةً جميلة، أراقبها في المرآة، بجسدٍ طريّ، و امتلاءٍ شهيً، تهمً للقفز من النافذة ، لقد شاهدتني أحشو المسدّس برصاصة واحدة!.


أنا هنا الآن..

على هذه الخشبة، رجلٌ يحاول الانتحار برصاصة واحدة، فتسابقه الفتاه إلى حتفه، يركض خلفها، تهرب نحو السّطح، يصعد خلفها، يشدّ الفتاة من يدها، فتدفعه أمامها و تحظى بالرصاصة.


أنا هنا الآن ..

على هذه الخشبة، رجل رُمي من سطح العمارة، لقد مرّ وقتٌ طويل، استقام فيه اعوجاج كتفي ، لكنّي لم أرتطم بالأرض بعد.


أنا هنا الآن..

على هذه الخشبة ، رجلٌ كشفت الإضاءة عاهاته كلّها، رجلٌ ينحني الآن ، يحيّي الجمهور.

وها هنا الآن.

لقد أسدلوا السّتار، وبقيت للنصف أصفق لوحدي، على هذه الخشبة، ولم أرتطم بعد.

___________________________________________________________________________

** أميرة العيد - كاتبة سورية.
* الصورة من فيلم المرج الباكي ( the weeping meadow)



تم عمل هذا الموقع بواسطة