ـ أعيش مؤخراً حالات ديجا- فو خاطئة.
ـ أرى مثلاً صحوناً تُرفع عن المائدة ثمَّ تسقط وتتكسّر وتجرح أقدام الجميع، غير أنّها في الحقيقة تُرفَع فقط.
هنا تُدرِك أنَّ شيئاً ما يُصرُّ على التكسّر ذهنياً.
..
ـ على فِكرة، لن أعاودَ اللّجوءَ إلى مخاطبتِك كلّما أخذني النصُ إلى شطط ذهني يُشبهكِ بعدَ الآن بإمكانِكِ ألّا تأبهي وتستمرّي بتغييرِ صورِ حسابِك الشخصي في ذهني إلى صورٍ تكونُ كلّ مرّةٍ أجمَلَ من إلهٍ جديد.
وكملاحظةٍ عامّةٍ منذُ بدءِ الخليقةِ فصاعدًا: لا تهتمّي بالبحث عن نفسِكِ في أي شيءٍ أكتُبُه، فكلّ ما أكتبه يبحثُ عنكِ وهذا جانبٌ آخرُ لا يعنيكِ من حياتي الشّخصيّةِ الّتي لا تعنيكِ بأكملها.
...
السّاعةُ الرّابعةُ وثمانية وأربعونَ فجرًا من يومِ الخميس.
ـ منذُ لحظاتٍ، دخلتْ أُمّي غرفةَ المعيشة عليَّ أنا وأخي، كنّا جالسيّن في عالميّنِ منفصليّن جداً إلى أن وحدهُما سؤالها الّذي لا ينتظرُ جوابًا: ألم تناموا بعد؟
رفعتُ ستارة عالمي المقابلة لبابِ غُرفةِ المعيشة، وأطلقتُ نكتة أسلوب حياةٍ ساخرةً وفارغةً أخرى، ثمَّ أعدتُ إسدالَ الستارةِ تلكَ لكي تُقبل صلاةُ فجرِ أمي، قبولاً إلهيّاً كاملًا.
ـ أخي مدَّ يدَهُ إلى ممتلكاتِ عالمي الخاص ورفعَ الستارة المقابلة لهُ ليقول: " قوم شعل فحم "، أنا دكتاتوري في الاستجابةِ الفوريّةِ المتأخرةِ لمطالبَ كهذه.
...
العمليّةُ أخذت بضعَ ثوانٍ مفعمةٌ بالاشتياق، أشعلتُ الفحمَ وعاودتُ جلستيَ المُستكينة فوقَ سطحِ القهوة النشيطةِ التي تقيمُ أجملَ علاقاتِها الجنسيّةِ مع كسالى، مثلي.
ـ على فكرة، أعدتُ صُلحيَّ مع القهوةِ السادةِ عديمةَ الهيلْ مؤخّراً، بسبب صديقينِ يتكلّمانِ برائحةِ القهوة، هذا الصلحُ اشترطَ على قهوتي صفةً جديدة، أن تكونَ بوجه، يبدو أنّني كنتُ لا أستطيعُ تمييزَها سابقًا بينَ سوائلِ الحبِّ الأخرى.
...
ـ "المتّةُ" بدأت تشعرُ بالغيرةِ الآن، لابدَّ أنّها تهجسُ مع نفسِها بإمكانيّةِ أن يكون صلحي هذا بسبب أنَّ إبريقها السّاخِنَ أحرقني منذُ أسابيعَ في إبهاميَ الأيمنَ الّذي يسندُ شغفي بالكتابةِ على الورَق.
أنا أكتُبُ عنكُما الآنَ ـ يا عَشيقتيَّ الغيورتيّنِ ـ بلوحةِ المفاتيح.
ـ كتابةٌ كهذهِ لا بدَّ أنّها ـ في مستوى ما من لاوعي الإلكترونيّاتِ ـ تُدَغدِغ حاسبي المحمول كثيراً، وبيننا ألفةٌ تخوّلني أن أسمع قهقهته بوضوح، قرأنا معاً الكثيرَ من الكُتب الإلكترونيّة، ولم نتشارك نفس الذائقةِ يومًا!
...
ـ أجل تذكّرت، كنتُ قبلَ قليلٍ أطفو على سطحِ القهوة، ولا زلت.
أسألُ نفسي الآن: هل بإمكانِ كلّ السّوائلِ أن تهدهدَنا بنفس طريقةِ سطحِ البحر لدى فجرٍ صيفيٍّ لطيف، مُستلقينَ على ظهرِنا تاركين أكمَلنا تحتَ تصرُّف مشاريع أمواجِهِ الصباحيّة؟
ـ هذه الصورة الشعريّة راودتني قبلَ أيّامٍ وأنا أخوضُ حديثاً مع صديقتي عن الماء، وقش النّجاة، كتبتُها الآنَ بشكلّ لم يكُن على بالي حينها، وهذا ـ لحسنِ القهوةِ وعلم غيبِ صديقتي ـ .
تفصيلٌ سيهم كثيراً أنا المستقبليَّ حينَ يقرأُ هذا النّصّ صدفةً وهوَ يقلِّبُ أوراقَهُ، ويكاد لا يذكره.
...
ـ ستائرُ عالمي الخاص ترفعُ نفسَها بِنُعاسٍ يثيِرُ النّفورَ من النّوم.
...
ـ الشمسُ تشرقُ على إطلالة شُرفة منزِلنا الّتي تحتوي على ما يثيرُ كتاباتٍ كثيرة.
حالةُ الهروبِ النزقِ من إله النوم تدفعُني إلى أن أختارَ قلقاً ما من مجموعتي الخاصّة، لأُكملَ حديثي معهُ على انفراد.
.
ربّما سأفعل ذلك!!
...
السّاعةُ الخامسةُ وتسع عشرة دقيقة.
ـ لا زلتُ لا أخاطبُكِ، ربّما ما زالَ الأمرُ لا يعنيكِ.
_________________________________________________________________________________________
* الصورة من فيلم (Voyage to Cythera)