مثل همس، على المقاصل و من أجلها لا أكثر، تصطفُّ الرُؤوس كَعطايا صيف.
وكم بكيت موتك، فمنك يأتي دمٌ لا يفسد، رعبُ الحَكايا قد وَقع فعلاً، الحشود الهاتفة راعيةً لِمشاعل الثورات، أيصرخون أم يتهامسون؟.
اسمك مُثقال اللَعنات، سَأضعه وشماً على الذِراع الآثمة، فَشجاعٌ أنا مثلك، و لكن عرشي لا تراه الأعين.
وحين تَصرخ أصرخُ وراءك، و أنشدُ عاتياً
كلماتك التي تَحرق عيناي كتراب
أشعارك المقفّاة
أفعالك الفاحشة
ابتسامتك المتخيّلة
تعال سننحر هذا العالم المتلبد، وأنا سأجلبُ لك القمر.
شرفتي مترٌ من الحديد الرطب، و منها أطلُّ على العالم، على أوروبا الطوب الأحمر و الفراغات الهائلة، النَضِرة المطوّقة بالأخضر، في كل مكانٍ يزحفُ الأخضر إلى العينين، أشجارٌ كهلة، أشجارٌ منقولة بالرافعات، أشجارٌ تتسلق على الأبنية، أشجارٌ من كل صوب.
الصيفٌ حافل و أوروبا تختزن برد الشمال في الأرحام.
الصيف الذي يمتد شهرين على تقويم الزمن، سيكفي الجميع:
النبلاء في ملاعب الغولف، النساء في الحدائق الخلفيّة، المهاجرون السمر.
هناك غطاء الشمس الهائل -يحثُّ العرق على الانبجاس. سيكفي الجميع: سواكِ يا نفسي. أما عن صيفك البارد فلن نفلت الكلام المسنون على طرائدِ الغابات، لن نتصيّد كالحاذقين في الظُلمة، بل سَنُشعل الأنوار و لتحترق الظلال راقصةً، فلا مصائد بعد الركام.
هذا هو درس تعلمّنا إياه الحياة في استمرارها، تعلمنا عن الحروب و الذاكرة:
لا شيء بعد الركام
لا مصائد
لا موت
لا حياة
ولا حتّى أمسية هادئة !.
في ساعة الظهيرة العُظمى، ثملةٌ أشباحُ الماضي تخرج من الآزقة القصيرة، من شحذِ السكاكين في بيوتِ الجدّات الى شحذ السيوفِ على البوابات، يعبرً السؤال، و مَعه يعبر القًضاة بأزيائهم الموشّحة بأرق المحكومين، و تعبر أمهاتٌ بِلا أرحام
والموسيقا
والأحلام
والطفولة
والمدن المصابة بعدوى الإجارات الغالية
كلها تعبر مع السؤال.
يكفي أن تلملم ضحايا الحروب
القتلى و الأحياء و الناجين و الأحزاب الرابحة
أحصي الأرقام
من أين أتى هذا الدم كله؟
لا بد أنها الأرض.
من جرحها الفاغرُ فماً
تبصق لعناتها المكلّلة بالعَطايا علينا
كهمرِ مطر.
ألبسُ ثوب الحداد، أقرعُ أجراس الذعر الرخيمة:
هاك شاطئي بلا رمال، هاك الرُسل و المصلوبين، تريث في وجهي، أهذا دمعٌ أم ألسنةُ نار؟
عند الجروح و حوادث الماضي ينبت ريش الملاحم، فافعل بما شائته اللحظة المرتجلة. أي مثلاً: الراقصين العراة في ضوء القمر المكتمل، سيقتلون أنفسهم في نيسان المقبل، على موعدٍ مع زهر الكرز يرمون المشانق الترابية على الجذوع : أرجوحة الأعناق.
أيكفي الزمن لتسجيل الأسماء؟ الضحية تموت قبل القاتل هذا لا ريب فيه، أما لإثارة شهية قاتلٍ واحد سنحتاج لكثيرٍ من الضحايا.
و هنا يعبر السؤال، من فصلٍ لأخر، صيفٌ خريفٌ شتاءٌ ربيع. من هَجى البحرَ و ملحه في ليلةِ اكتمال القمر؟
سنختنق بالتساؤلات قبل أن نجيد قطف ولو إجابة كافية.
تكفي الراقصَ ربيعاً أخر
تكفي الحمقى قصائداً محروقة
و تكفي البحر هذه المرّة.
غرقى بلا أسماء.
____________________________________
** مجد شلغين - كاتب سوري.
* اللوحة للفنان الفرنسي "بول غوغان" (Martinique_Landscape)