كان صباحاً رمادياً بامتياز، كانت السماء تحاول أن تخفي نحيب بكاءها، كانت تعلم أنها أخر شهقة ضحك لهم، ويا ليتها لم تكن تعلم، قامت قيامة الأرض وهاجت نيرانها ؛ يا له من صباح جميل يا أمي قالت هذه الكلمات وهي تضع يدها على عنق الزهرة لتشمها.
كان الأطفال يلعبون وصوت صراخهم البهيج يثير السعادة في قلبك، كانت الوحوش تدب من أسفل الحفرة لكي تصل إلى سطح الأرض المخضر، لتبث فيه رائحة الموت ..لتزرع في كل زاوية نطفة منها، من جسدها المملوء بالسموم والكراهية .
أجل يا أبي سنذهب أنا وصديقي لنلعب في الحديقة العامة، إلى اللقاء ..سأكون هنا عند الساعة السابعة مساءً قال أحد الفتيان لأبيه وهو لا يعلم ماذا ينتظره، ليت جوف الأرض ابتلعني ولم يدعني أمسك القلم للكتابة عنكم يا أحبتي.
كانت وحوشاً بشرية لا أحد يعلم بحقيقتها إلا السماء والأرض، كانت تنشر سمها بيننا، كانت تبعث السم لدماء أطفالنا الطاهرة.. التي تنفع لأن تصبح ماءاً للإغتسال بها من كثرة طهارتها.
كانت ذات عيون جميلة تصلح لأن تسرح شعرك وتهذبه، ولتضعين مساحيق التجميل وتتزينوا وأنتم تنظرون في حجر عينها الأزرق كأنه مرآة، أولئك الأطفال المساكين أنفطر قلبي على رؤيتهم وتذوق رائحة دماءهم الطاهرة، وفي نهاية هذا اليوم فوجئ الأطفال بالوحوش التي تحبو فوق الأرض كالصراصير التي تصارع لتصل إلى كسرة المرمية على الأرض، توهم الأطفال أن هؤلاء الوحوش الحب يسري في عروقهم، لكنهم لم يدروا بالمكيدة والمصيدة المغروسة في براءة وجوه الوحوش، إقتربت السماء من الأطفال لتعانق براءة عيونهم ولتحميهم من المكبدة، إلا أنها لم تلحق أجسادهم المضيئة، أظلمت تلك الأجساد قبل أن تلحقهم لتعانقهم، إستلقت السماء فوق بقايا أشلائهم، وبدأت تقبل أرواحهم الخارجة من أجسادهم.
تخبرهم أنهم الملائكة التي ينتظرهم النعيم، صاحت السماء، صاحت وصوتها ملأ الفضاء، تخبرهم أن الله عندما أمر قلبهم أن يدق الدقة الأولى أمره بأخذ الحذر، كانت تتمنى لو ألتسقت هيه والأرض ولا يحدث ما حدث .
بدأت الوحوش بالعويل، بدأت بشرب نخب موت أطفالي، في كأس مزخرف بعروق اطفالي، كم من موت أحمق يجوب هذه البلاد البائسة، كم أنا تعيسة، يا أرض ..ابتلعيني
وأنقلبي بهم رأساً على ساق
ما ذنب طفولة لا تعلم معنى أخر للسعادة ما عدا العب، ماذا تريد تلك الوحوش منا؟!
تلك الوحوش تنظر لطفولتي تتمنى لو أنها تغذت على طفولتي البريئة، تعالي ..تعالي يا وحوش وتناولي مني طعاماً يسمم روحك، لأنني سأزرع سمك في جسدي وأهبط فوق الأرض لتحمل جسدي للجنة
تنهدت الأرض، وهمست وهي تحوي أجسادهم وتعانقها لتخفيها تحت جلدها بخجل: سأبعث من بين أصابع أقدامكم زهوراً تفوح برائحة أجسادكم يا أبنائي.
_______________________________________________________________________
** شام سلوم - طالبة سورية
* اللوحة للفنان لؤي كيالي