لن يكونَ لنا مكتبة
كلّما تقدّمَ حائطٌ منها أصابه العفن
نحن لا مِنّة لنا على الكلام المحفورِ في الحيطان
نحن اندفعنا موجاتٍ من بحرٍ متخلّفٍ يرتدّ للوراء وبلا واجهةٍ تمسك مقدمته حتى يصير صدراً
نحن سنضيع كثيراً وكلماتنا التي ارتمت مثل أشلاءٍ وسمَّوها شِعراً لن تجدَ حتى حائطاً صلباً لعمرٍ قصيرٍ
سنبحثُ كالكلاب الضائعة عن عمرٍ لنا
يناسب ظَهرنا ويدفّئُه في الشتاء
سوف نوغل في الأغنية حتى ندفأَ
فالماء نازلٌ من ضبابِ جليدٍ ونحن نقف على الأطراف
أطرافِ الكوابيس
أطرافِ الاحتفالات
أطرافِ المجازر_يصلنا صوتها كأغنية دخلت مسامَنا وبتنا ننسمُّ من اللحن إذا تسرب وصار فحماً على الصخر_
نلاحقُ نلاحقُ السماء الليلية، هكذا بِتنا نتسلّى
سوادُها دهشةُ الصبَّارِ على حوافِّ الماء
ونحن ونحن نرى لم نعد نبرحُ الأطرافَ
نتمسك جيداً بعشبنا
وصدرنا الذي يميل
لربما كنا قارباً وارتمت الرصاصات علينا حبّات برَكة
أنكون سرداباً غامقاً نبتَ الحبق فينا وعلينا حتى ارتعشنا حُبّاً؟
أنكون مرايا قتلها الشكُّ وباتت محض انعكاسٍ لانعكاسٍ؟
من أين يدخل الهواء على الثمرة؟
من أين يدخل الهواء على البرتقالة، فاقعٌ لونها
أراقبه
للبرتقالة نافذةٌ صغيرةٌ كحلمةِ الثدي
وحبل الغسيل قبالتها ينزف الأقمشة كحلم قديم بات معروضاً للمارّة
للفم ريشةٌ يخطُّ بها ألف ليلة وليلة وجَمَلاً، مِن قُبلة
للفم نزيف يشبه لحن العود وهو يغني فوق الغصون
أم أنه كان عصفوراً!
للفم هذا التكدّس المحشور كالعتبة
كالسمكِ المُصاد منذ قليل قرب العتبة
كالبُسُط التي انحاكت من رغبةٍ وتزيَّت بالأيادي الداخلة في حرجها
وبالورد الجوري
الميّت
للدار هذا العلوّ البسيط
فوق نهودنا
في قصص الفلاحين
في الخُبز الذي أشرق من خدِّ مشمشٍ
للدار تلك الأحلام التي لا تصوير لها كي تمرَّ على الماء
دفترُ الخلود في كهف الخلود ولا مكتبة لحطبِ رقبتنا
ولا مكتبة يموت فيها الماء
آخر الماءِ
الماءُ الذي سيصلُنا ميتاً لمّا نغلقُ البابَ على الظُّلمة.
_________________________________
** ميس الريم قرفول - شاعرة سورية
* الصورة من فيلم (House) لأحمد صالح