في كُل مساء، قبل أن أنام، أضع نفسي في كيس القمامة، وأرمي الكيس بحذر وأنا في داخله بجوار باب المنزل، لكي يأتي في الصباح عامل النظافة و يرميني أنا و ما في الكيس داخل سلة المهملات، تأخر سنين هذا العامل، حتى صباح البارحة، قد دخل من باب المبنى الذي أسكن فيه، قبل أن يدخل شحطَ قدمه برصيف الشارع، لكي يمسح الطين من على حذائه، ثم دخل و قال يا فتاح يا عليم، صعد فوراً إلى الطابق الثاني، مُتجاهلاً الطابق الأول، و صعد إلى الطابق الذي يضم بيتي، هو وعلى الدرج بدأت أتمنى بأن يستحلي كيس القمامة الذي كُنت أسكن فيه وقتها، وبالغعل تقدم خطوتين مترددتين بالصعود إلى الطابق الثالث، وثم حملني، و عاد بالرجوع إلى باب المبنى.
خرج من المبنى، وأشعل سيجارة، ثم مشى قليلاً إلى الرصيف المقابل و هو بوجه عابس، وبيد حنطية اللون، ومُقشرة من التجمد، يد بائسة تحملني بالكيس الذي أنا فيه، و أظافره العالقة بينهم أوساخ المبنى السابق، وتقدم ب عبسة أُخرى و رماني رمية جميلة، كانت رمية نظيفة و سريعة، دون تخطيط مُسبق، شعرت حينها بولادة جديدة، و ب تعري جسد كامل، و تعري عن الهوية والجنسية، وحتى عن الاسم، ربما كان اسمي : وسخة، كانت رمية طليقة، فقط استمتعت بها، و عند نقطة الانعطاف ارتفعت عن محيط الحاوية قليلاً، قد فعلها، ثم هبطت بسرعة أقوى من سرعة الرمي، قد رماني في سلة المهملات المجاورة للمبنى، عند الهبوط هبطت بقوة إلى أن اصطدمت بجاري المُتدين و قد استقبلني ب بصقة على الكيس الذي اسكن فيه، اصطدمت بالكيس الذي يسكنه جاري و استقبلت تلك البصقة، وثم اتسعت في المكان الفارغ الضيق الوحيد بين كيس جاري المُتدين و كيس جارتي التي تعمل لدى الملهى الليلي.
حينها تمددت قليلاً أنا وفي داخل الكيس، بدأت أتمدد بقوة أكبر لكي أخرج رأسي على الأقل، تمددت يميناً، حتى اصطدمت يدي اليُمنى بكيس جارتي فتاة الليل، وقد اتهمتني بغضب بأنني أحاول فتح كيسها و النظر إليها، ثم حاولت التنقل بهدوء بين الأكياس للخروج من ذلك المكان الضيق، و قد استقبلني بمكانه جاري السياسي، انبسطت منه بهذا الفعل، ولم ألحق بالخروج من الكيس لأشكره، في حين هو يتسلل إلى المكان الضيق لكي تستقبله كيس فتاة الملهى استقبال أوسع من استقبالي، بقيت داخل كيسي و في مكان كيس جاري السياسي تعرفت على كيس بداخله مُعتقل منذ بداية الحرب، عرفني على نفسه، حاولت مرة ثانية بالخروج من الكيس لأقدم له أقل الكلام بمواساتي ل اعتقاله الطويل في حين يقوم بغلق كيسي بإحكام أكثر و يرفسني إلى الزاوية المجاورة، فقط لأن الكيس الذي اسكنه ليس أسود فاتح، في تلك الرفسة أصبحت بجاور كيس نظيف، مُغلق بطريقة خفيفة، و كيس صغير جالس في مكان يساع فيه كيس وعلبة حذاء، ألا إن في داخل هذا الكيس شقيق أحد التجار، ف مررت بجانبه لتخطي ذلك التكبر من كيسه، مروراً إلى كيس كبير جداً، وسخ و مُهمل جداً، و على الأرجح بإن هذا الكيس قد تعرض لرمي مُفاجئ و بيد قاسية تختلف عن يد عامل النظافة.
كيس كبير يسكنه العديد من الأشخاص، قد كان ذلك الكيس هو كيس الشعوب من الطبقة الأدنى، لم تكن لدي إنسانية في وقتها للإنضمام إلي كيسهم، ف كان اسمي وسخة، فقط اعتبرته كيس فارغ و مررت بجانبه بسرعة دون التحركش بأحد من الشعوب فيه، مروراً إلى زاوية في الحاوية مُهبطة اتجاه الأرض إلى حد التلامس به، قد كان هناك في تلك الزاوية فتافيت متفرعة عن أكياس سابقة، فتافيت من الشعوب، الفئة الكبيرة من تلك الفتافيت، فئات مثقفة من كُتاب و رسامين، ومنهم مشاهير فقيرة الحظ، والفئة المتبقية هي فئة المهاجرين، وبعد وقت طويل من المعاناة في تلك الحاوية، قد اهترىء كيسي، و تفتحَ لونه من شدة الشمس عليه، و تمزقت أطرافه من الرمي والبصق و حتى الرفس عليه، و تفككت ربطة إغلاق الكيس من شدة التحرك، إلى أن خرجت أنا من الكيس، مُتعباً و مشوقاً.
خرجت من الكيس الذي اهترى وأنا بداخله، خرجت بكامل جسدي ولا شيء يربطني بالكيس من الأوساخ التي فيه إلا اسم شخصي يدعى : وسخة .
و أول شيء تفتحت عيني عليه بعد خروجي من الكيس، على مكب أوساخ بشرية .
______________________________________
** المتلعثم - كاتب وسيناريست سوري.
* العمل الفني (bizarre art)