هنا، يشرق الليل ثلاث مرات.
!أسير في أوله، أحمل ساقايَ على كتفي و أدفع نفسي بكفّين مثقلين بدماء أخي، فأنا كما كنت دوماً، لا أتمكن من الند
.كما كنت دوماً، أضعف من المواجهة
!أغلق فمي و لساني-الذي جُزَّ سبع مرات- مشغولٌ بلعق الأحذية
."أشد على رأسي "لا تنفجر الآن .. ليس بعد
لكل الرؤوس موعد للقطاف، و رأسي البائس يزج نفسه بكل المواعيد.
.كل هذا البؤس، و الليل -السيء السمعة- في أوله
أكلت صغيري على العشاء، عندما علمت أن أحداً ما، لن يكلف نفسه عناء إطفاء سجائره ليحمل نعشك في اللقاء الأخير بينكما
!العشاء أيضاً في الليل
.والليل دوماً سيء السمعة، ولا زال في أوله
**
.لا ملامح لهذا العالم
. إنها فقط حروق، و تشوهات وراثية
. خُلقت بتشوهٍ في الحظ، اكتشفتُ مرةً أنه تشوّه موروث، عندما سمعت أمي تلعن الظلام و حظها المقيت ووجودي
ثم أضعت وجه أمي عند أول منعطف، فدهستني أقدام كثيرة، و يداً خفيةً كانت تمسك حنجرتي و تضغطها بعنف، لأهمس للمارة سؤالاً ضالّاً عن بيتي.
.لم يجبني أحد، حدّقوا جميعاً بعيونٍ جوفاء -كأنني قطةً تموء على الرصيف -و أكملوا الطريق
. استجديت بمرارة
.لكن لا ملامح في الوجوه هنا
.بكيت كثيراً، ثم خلعت ملامحي حملتها على كتفي و مشيت
**
القشة أيضاً، تتعلق بغريقها
وحدها تحمل عبء موته الثقيل.. تجفف العرق عن جبين احتضاره.
تربت على كتفه المكسور، تجرر قدميه المثقلتين.
تمسح وجهه بعجزها، وتبكي.
القشة أيضاً .. يخذلها التخلي الاول بعد النجاة.
**
لن أقول لك أنّ الكحليّ كان قاتماً جداً هذا الفجر -أنت الذي تنتظر ذلك- و أن البياض لم يلوّح بعد..
لن أخبرك عن الحشرجة في صوتي كل ما وددت الكلام، ولا عن المرارة في حلقي كطفلٍ أفلت يد أمّه و تاه في حيّ غريب!
و أنت الأم و الحي الغريب و وحشة الطفل !
أنت البعيد الآن و كل أوان، كنت قريباً جداً اليوم، قرب الرّجفة إلى الشفّة السفلى.
لن أقول أن الشمس كانت باردةً بلهاء كجثةٍ فاغرة الفم ! و أنّ كبيرة النجمات كانت عمياء و ضالّة و أنني لم أبصر النور مذ كسرتَ آخر مصابيحي.
عن قصد ! كنتَ رفيقي في رحلة بحثي عنك، و أنت الضالّ و السبيل.
لن أقول شيء من قبيل أنني تعثرت ثلاثة مرات بك فوقعتُ و جثوتُ رابعاً على ركبتيّ
بكيت كثيراً ثم أخمدت صوتها لأنام على خيبتي: "أنا وياك وحدنا يا ورد رح نبكي"
لا شيء من هذا حدث اليوم.
________________________
** جولي بيطار - كاتبة سورية
* اللوحة (Miranda (1916) – JohnWilliam Waterhouse)