تذكّر الألم إذ تدرك كم كنا صغاراً
تأمل السماء جيداً، هي صورة الماضي،
انعكاس حجمك أمام كل ما كان يوماً،
لكن ذيول الشهب تدغدغ الطفل فيك،
وأمامها دوماً تصلي.
***
لا معنىً لأن تؤرخ اليوم الذي
قبلتها فيه تحت الرصاص،
أنت تعرف، وهي تعرف،
لكن تأريخك هو تذكرتك لتقبيلها
مرة أخرى على الأقل، في كل عام.
***
أطل التأمل في ضلعها الأخير
لن يستثيرك الضلع من بعيد ههنا
لكنها لا تعرف هذا اليقين
ستخجل بادئ الأمر،
ثم ستذكر أن تأملتها ما عاش الأمل.
***
لا تنفصم، ستزداد اكتئاباً،
ولا تكتئب، ستزداد انفصاماً.
ولا تحاول التوازن بين الحالتين، هو ضربٌ
من ضروب الخرافة.
أطل التأمل، ودعك من هذه الترهات.
***
لا تنظر بعيداً، هي الخطيئة الكبرى؛
كأن تسمح لفراشةٍ بأن تشتت انتباهك
عن تسارع أنفاسها، لا تنظر بعيداً،
ولا تشجعها على البكاء، أنت وحدك
من يستحق كل هذا الملح.
***
في كوكبٍ آخر يشرح أحدهم لمن يحب
"أدمنت الكحول، وأقلعتها، يا لي من شجاع."
لست ذاك الشخص، لا تحاول؛ لا شجاعة
في الإقلاع عن أي شيءٍ ههنا، ولا شجاعة
في الأدب، ولا رجولة في البقاء على قيد الحياة.
***
ولا تصور نفسك على أنك ستكون الأب المثالي،
أو الزوج المثالي، أو الحبيب المثالي،
كن صديقاً جيداً، واستمتع بضحكتها،
واذكر كيف تتمنى أن تشرب النبيذ معها
ذات يومٍ ما، إذ تتأملان تساقط الندفات.
***
ولا ترقص معها رقصاً نبيلاً،
ولكن تأمل السماء جيداً، هي الوحيدة التي
لها أن تشتت انتباهك عن الشبق في عينيها،
وأخبرها كم كنا صغاراً، وأخبرها سراً ما
صغيراً، واذرف دموعك، لا تخف.
***
في كوكبٍ آخر يجلس أصدقاؤك
يتبادلون الأحاديث عن الحياة، تلك التي كدت تنسى
كيف كانت، ثم حدث أن التقيتها؛
ما زلت لا تذكر شكل الحياة، كن واقعياً،
لكنك اليوم لا تبالي، لا، لا تبالي.
***
أخبرتني ذات يومٍ أن الشمال هو الطريق الوحيد،
ثم أخبرتني أن حيث أنت كل الطرق تودي إلى الشمال،
شرحت لي كيف أستدل بنجم القطب يوماً،
ثم استيقظت، ولم أجدك، ولم أجد نجم القطب مهما انتحبت لأذكر
لأي الجهات أشارت يداك.
***
حقدت عليك حينها، على كل الأحاديث التي خضناها
تخطيطاً لبصمتنا على البشرية. لن نمر مرور الكرام
كتبت لك/لي الكثير في ذاك المساء؛ "خانوك إذ قالوا بأنك حالمٌ
صرخت رياحٌ من بعيد، أينه؟
ذهب الجميع، بقيت وحدك."
***
كم كنتُ ساذجاً، ألا أعرف أن تلك الحارات التي مشيناها
نسخة عن أخرى موجودة في كل مدن الأندلس.
كم كنت غضاً، ألا أدرك أن رائحة المطر واحدةٌ أنى مشيت،
وأن ليس للشعريات مكان في تكوينها، ولكن للكائنات الدقيقة وحسب.
***
ولا يهم، جل ما أطلبه اليوم هو أن تتذكر الألم إذ تدرك كم كنا صغاراً،
أن تتأمل السماء جيداً، أن تعرف أن ما تراه انتهى منذ ملايين السنين،
ثم ألا تفسد بهجتها إذ ترى ذيلاً في السماء، دعها تصلي ما تشاء.
دوّن اللحظات، وأطل التأمل في ذاك الضلع الأحمق،
ولا تشتت انتباهك عن الرجفة عند التقاء شفتيها.
***
ولا تبكِ وحدك.
ربما خنتك ذات مرةٍ، وربما سأخونك مرةً أخرى
لكن المجاز بلا خطيئةٍ كالنبي بلا خطيئةٍ
مملٌ، قنوعٌ، بلا معنىً حقيقيٍ
وغالباً ما يصلب في النهاية.
____________________
** حازم رعد - كاتب سوري.
* اللوحة بعنوان (Head) للفنان الأمريكي "جان ميشيل باسكيا"