25 Jan
25Jan

العيون تعمى حين تُبصر ما خلف أسوار الصامتين

حيثُ الضحكات مرميةٌ على قبورِ أهل العقل والمنطق والفلسفة.
 حيث تنظر الفتيات العذارى نحو غابات السكارى والايتام.

حيث الشمس مطوية بأحذيةِ الشحاذين.

وحيث يغمر الله الارض بأمطاره.

تغمرنا الغصة.

الأرض تدور !؟

الأرض هُنا حين أكسر زجاجة السُم بأسناني لأرشف الشمع والذكريات وأموت.

وأموت وأموت وأموت.

أغيب فلا يصحو وجهي من بين واحات النخيل

لا تذكروني حين تنهش الكلاب جثتي المرمية بجانب غيابكم

حيث يلتهم كبدي الذئاب والضباع

حين يصبح دمي بلون الاسفلت والخوخ

ألست نفسا، فمن قتلك ؟

قتلني الغائبون في غرفتي

قتلني إطار صورة حبيبي المعلقة في جدار فؤادي

قتلني الرحالة والصامتون والعازفون والراقصة

قتلني الطفل الذي يراقب النار وهي تشوي لحم حمل وديع

وريقه يموج

وعقله يضيع

وأنا اهرول نحو الله

أهرول نحو الله ممسكا جبتي بيدي

وأصرخ وأولول

أموت واغفى

وأضيع بين اشجار الجوز

ثم أسقط

فتمحو الظلمة ركبتي  فلا أجثو ولا أركع

وتقضم الفراشات ظهري فلا أنحني

ألست نفسا فمن قتلك؟

ومن بعد دفنك أخرجك من الضريح

وأمام الكهنة حملك

تفائلوا بالخير تجدوه

وابحثوا عن الأصدقاء

وإن سكرتم فمزقوا منطقكم واقتلوه

واسحقوه

العيون تذبل خوفاً يا حبيبتي

العيون تهمس خوفاً

خوفاً من الغريب الذي ودعك وجهلك

ألست طفلا فمن قتلك؟

قتلني غياب الليمون

ما شأنك به ؟

وما شأن الخطباء بالحيض

وشأن النساء باللحية والمناكب العريضة

سأجتث الصور والاغاني والسجائر الصفراء

وسترحلون من أوراقي

فلم تعد تعنيني كلماتكم ولا مناظركم ولا جمل الغزل

وسأترك الحصان وحيداً يصهل بما حمل

سأبقى هنا حيث تحكي لي القطة بعضا من مآثر الجان والملائكة

أو يغني لي ذئب شيئا من التراتيل والأمثلة

وما خطب الايام تجرني اليكم

فمن أنا ومن أنتم

إلا اكذوبات من شدة غرابتها اصبحت حقيقية

أيها الحفاة العراة

يا رُعاة الاغنام والبقر

يا جياع المعمورة

تعالوا لنذهب

تعالوا لنرحل

لننزح من مخيمات كتب التاريخ

ونذوب كالسكين في شفاه السجناء

فلنلملم ما تبقى من انتظارنا لهم

ولننزع نصبنا التذكاري من ساحات أخلاقهم وقيمهم المبطنة

تعالوا نذهب فلا نرتعد عند ذكر الأعراس

ولا نوازي بين الالفاظ والخجل

أنا لا استحي ولا أتقمص دور المرشد السياحي

وأينما يدركني النوم أنام كالبوم

وحيث يجوع جسدي اغرف واكل

واقبل من أريد

وأنادي من أشاء بأي اسم

أبكي كالشيوخ حيث  يشقني الحزن نصفين كرغيف الخبزاليابس

وأفعل ما أشتهي وما أريد

لم يبقى الكثير من الوقت حتى ينتهي الحضور من دفني

فاستعدوا

ولنعد ادراجنا حيث نمشي فوق حصير من أبيات الشعر

هذه الليلة أذناي تحبو نحو العزلة

 وأنفاسي تصنع الصندوق الكبير لتختبئ به.
___________________________
** بحر شاهين- كاتب سوري.
* اللوحة من أعمال الفنان السوري "أحمد معلا". 

تم عمل هذا الموقع بواسطة