12 Jan
12Jan

أنا سيّءٌ في التّعبير، و دائماً ما أضع نفسي في مواقف محرجة بسبب ذلك.

كُنّا كلّنا في جنازة، و كان الكلّ يبكي، و أنا كُنْتُ أثناء رمي التّراب على وجه صديقي الميّت،  أضحك.

لا لشيء، أفعل ما أجيده، لا ما يجب فعله في كلّ أمر روتيني، كالموت أو الولادة.

عندها، هجموا عليّ أخوته، رموني فوقه، و بدأوا برمي التّراب على وجهي و هم يصرخون:

اضحك الآن، اضحك، كيف تشعُر؟ هل هو شيء يدعو للضّحك ؟ هل أنت سعيد الآن؟ اضحك.

كان التّراب قد ملأ فمي و لم أستطع إخبارهم أنّني سعيدٌ لأجله، أنّنا، أنا و هو لطالما تمنّينا أن يحدث هذا،  أن نموت، و ينتهي هذا العالم البشع.

أنا سيّءٌ في التّعبير، عما أريد، وعما أحب، أنا سيء في التعبير عن كلّ شيء، و دائماً ما كُنت أرسب في مادّة التّعبير في المدرسة، و دائماً ما كُنْتُ أُضرب من قِبل المُدير و الأساتذة لأنّني سيّء في ذلك.

لم أبكي عندها، كُنت أضحك مع كلّ ضربة..

 كان يستفزّهم سوء تعبيري، فينهالون عليّ بالضّرب أكثر،  و يصرخون، ابكِ، ابكِ، عليك أَن تبكي، لا أن تضحك.

حسناً، أنا أُسامحهم على ذلك، ليس خطأهم، هُم لم يعرفوا أنّني استهلكت خزّان الدّمع الّذي أملك، مع أوّل صرخة جعرتها عندما ولجْتُ هذا الكوكب من رحم أُمّي.

و لكن الآن، و في الآونة الأخيرة، صرتُ بكّاءً متميّزاً.

أبكي كثيراً و في كلّ الأوقات، حتّى أنّني تُوّجت بطلاً للعالم في البُكاء، و حصلْت على لقب صاحب الدمعة الذهبيّة كجائزة.

لم يعُد يهمّني القول، أنّ الرّجال لا تبكي، صرت بَكاءً محترف، في سباقي الماراتون مع الحزن، أكسب دائماً.

صِرْتُ بكّاءً جريئاً.

كلّما تسنحُ لي الفُرصة بالبكاء، أبكي.

 أبكي و أنا نائم، و أنا أحُلم، أنا مُستيقظ، في أوقات العمَل، في الاستراحة، بَعد الدّوام، أثناء الذّهاب إلى الجامعة، اثناء العودة، في الصّباح، في المساء، أوّل الفجر، آخر اللّيل، و أنا أُشاهد صورك كلّ ليلة قبل النّوم،  و أوّل ما أستيقظ.

للصّراحة،  أنا لست البكّاء الوحيد في هذه المدينة، و لكنّي أفضلهم.

نحنُ مدينة حُزنٍ كبيرة.

نسيرُ في الشّوارع مع أقدام أهالينا المقطوعة إثرِ هذه الحرب اللّعينة.

نُربّيها معنا كحيوانات أليفة، نُطعمها من دمار البيوت، و كلّما ازدادت اتّساخاً،  أحببناها أكثر.

نحنُ مدينة حُزنٍ كبيرة.

و كلّما مسكنا نَرْد العُمر لنُقامر على سخافة الحياة،  تسقُط الأرقام، و نضيعُ في صفر العدَم.

نحنُ مدينة حُزنٍ كبيرة، سيّئة في التّعبير،

كلّما ضحكت المدُن من حولنا، بكَينا.

**

أُريد أن أخبركِ شيئاً،.

 أن أُعبّر لكِ عن شيءٍ ما، و لكن لا أدري كيف أفعلُ ذلك، شيء ما هُناك في داخِلي لا أدري ما هُو و لا أدري كيف أشرحه لكِ، ركّزي معي و حاولي أَن تفهميني،  أرجوك.

 شيئاً ما يحرقني من الدّاخل في بعض الأحيان،  و في أحيان كثيرة يكون بارِداً،  شيئاً ما يجعلني أُفكّر بك كثيراً، و يجعلني أُراقِب الجدران، و الأشياء السّاكنة حَولي، و أخافهُم.

أن أركُض أنا و أنتِ معاً على عُشبِ أخضر و أُعانقك،  و عندما أقترب من شفتيك كي أُقبّلك، أرمِشُ كثيراً و أكتشف أنّني وحيداً أجلِسُ.

شيئاً ما لا أَدري ما هُو و لا أدري كيف أُعبّر لكِ عنه،

أنا سيّءٌ في التّعبير،  و دائماً ما كُنت أرسب في مادّة التّعبير في المدرسة،  سامحيني على ذلك.

شيء ما هُناك في داخِلي يؤلمني كثيراً،  لا أدري ما هو، يشعرني و كأنّني أختنق.

شيء ما هُناك في داخِلي، لا أعرف كيف أصيغُه لكِ،  سيقتلني.

شيء ما سيفقدني عقلي.

شيء ما حبيبتي لا أدري ما هو.

 ركّزي معي و حاولي أن تفهميني رجاءً.

شيئاً ما لا أدري ما هو افهميني، افهميني، افهميني، افهميني، سأضربُك!

__________________________
**نبراس تركية - كاتب سوري
* اللوحة لـ (غوستاف كليميت)

تم عمل هذا الموقع بواسطة