17 Feb
17Feb

بعد أن أصبحت في الثانية والأربعين من عمري، وبعد أن اعتدت أن أكون وحيداً، لاشيء يهز كياني ويزعج سكينتي،  كنت صادقاً جداً في كل شيء تقريباً، والنفاق الوحيد الذي أعترف به، هو نفاقي في التعامل  مع الكلاب والقطط والحيوانات المنزلية، فأنا أحاول جاهداً التظاهر بالعطف والمودة تجاههم ، كأن أمسد لهم شعرهم عند زيارة الأصدقاء لمنزلي .
 أسألهم عن أنواعهم، مع مراعاة الإسهاب في الأسئلة والاستفسارات والابتسام البليد وهز الرأس صعوداً ونزولاً.

 شيفر !!بوميرينيان !! دوبرمان !! ممممم ما أجملهم !! ما أظرفهم !! من أين حصلت عليه يا صديقي ؟!!! وماهو عمره ؟!. أها أجل .. أجل ظريف.
 أنا لم أستطع أن افهم أولئك الذين يتحدثون مع كلابهم، والتعامل معهم على أنهم كائنات واعية، تأخذ مكان الأصدقاء، وتعوض عن الكثير من العلاقات، وتجعلهم يدندنون النغمة ذاتها ليل نهار ( أفضل من البشر ) ( لايغدر ) (ليس لديه أي مصلحة مثلكم )، انا لم أستطع حتى تقبل تلك الفكرة، ولو أن أحدهم قدم لي هديةً يوماً ما، كلباً باهظ الثمن أو قطاً سيامياً فإني سأرفضه على الفور.
كالعادة كل الأشياء التي ندّعيها، يأتي اليوم الذي يُخضعنا لها محرجين أذلاء لاختبارها .

 لم أتوقع ان أرى كلباً يقف على باب منزلي، ويرتعش من البرد، لم أتخيل هذا يوماً !! أي ورطة ستكون ؟!! .. لا يمكن التفكير على نحو محدد في التعامل مع مثل هذه الحالات الصعبة، ولأني لم أتخيل ذلك ولم أتخيل كيف سأتعامل مع ذلك، حدث ذلك بالفعل   . ولأني صارم و أتسم باللا تسامح تجاه ما يؤرق راحتي النفسية، أغلقت الباب وتعاملت مع الموضوع على أنه لم يكن .فليتحمل الجيران أيضاً المسؤولية، وجوده على الباب لايعني أني مذنب بشكل أو بآخر، هناك العديد من الكلاب تضل طريقها في هذا العالم .
لا يعني هذا  أني خشن وغليظ القلب وغير عطوف.  

 لايعني هذا  البتة أي شيء .بعد ساعة كاملة من المبررات التي تتراصف خلف بعضها بعضاً، ولأنه كان من غير الممكن إكمال دقيقة واحدة بدون أن اسمع صوته حتى لو كان الصوت في رأسي فقط، أخذت الكلب إلى التنظيف الشديد، حيث من غير المعقول أن ينام خارجاً في هذا الطقس .ثم أنه حتى لو بقي في ضيافتي لهذه الليلة فقط، أعيد وأكرر هذه الليلة فقط ، فعليه أن يكون نظيفاً  خالياً من البراغيث . ثم علي أن أن أعرف نوعه وسلوكه وأهيأ نفسي لهذه الليلة المنحوسة، ثم أني لن أتحمل تكلفة إطعامه، في الحقيقة  لا!  لا ! السبب ليس مادياً البتة.

 إني لا أطيق الكلاب في منزلي وهذا يكفي .
 انتهى النقاش .جلست الليلة بطولها أحدق فيه، وأنا أبرر انزعاجي وأُسكت سخطي وألعن حظي القذر، كيف سأستطيع النوم قبل أن أجد حلاً لهذا الضيف المزعج، ولماذا علي أن أتقبل ما لا أريده .في الصباح أحضرت له طعاماً، علبة طعام واحدة ، فعلي قبل كل شيء وفي هذا اليوم تحديداً أن أتأكد أن الناس الذين سيأخذوه لن يكونوا قساة .

 ليس لأني عطوف جداً، فأنا أعلم أن هناك الملايين يموتون كل عام ، ولكن  لأني أتحمل مسؤولية تجاه الأشياء التي بمتناول يدي، أما الملايين (الموتى) فهم شيء خارج عن إرادتي .
 بعد أسبوعين كنت أتاكد أن الكلب سيصبح في مكان جيد بعيداً عن منظمات رعاية الحيوان ذات الطابع التجاري،  وكنت أصر على أني لم أعتد عليه لأني وبكل بساطة شخص يعرف تماماً أنه لا يجب أن يعتاد على أي شيء .انا لم أعتد على البشر، فلماذا سأعتاد أن أقتني كلباً رغماً عن إرادتي . المسألة مسألة وقت وبكل بساطة .

 بعد 5 سنوات بكيت حين رأيته يتهاوى أمامي جثة هامدة، بكيت حتى سكرت، بكيت ليس لأني ضعيف، إنما لأني لم أكن صادقاً مع نفسي يوماً .
_____________________________
** مرهف السليم - كاتب سوري.
* اللوحة للفنان "ميغيل ماسايا"

تم عمل هذا الموقع بواسطة