11 Apr
11Apr

اللغة مجازٌ شقيّ، و أنا فشلٌ مُبَرّر، إنّ الكتابة تحتاجُ قوّة البوح نفسها، كذلكَ شتمُ الأوطان.

لم نُمنح أنفسنا إلا من المنافي، الهجرُ تحكمهُ شجاعةٌ ما أيضاً.

صغرُ حجمي وليدُ كلّ الأفعال التي لم أقم بها.

أجلتها، لم أقوَ عليها حتى، أنا اسمٌ طويل، شديد الوقع في المسامع.

اسم فارغ، يحشونه بأفعال أيضاً أجلتها ولم أقوَ عليها.

أنا يأسُ أمي الذي عقرت به أعوامها الثّمان و أنجب نفسَه كمتطفّل.

أنا الكذبة التي كذبتها في أوجِ أبريل، وما زالت تلاحقني.

تعضّ طرفَ ثوبي.

                            *****

أردتُ أن أبقى في الصّف الموارب.

دائماً كان هناكَ صفّ يواربُ كل الصفوف، يوارب كلّ شيء.

الصفّ الذي يرفض أكلَ الغزلة من الصّحن - أمي كانت تجبرنا على فعل هذا- و يأكلها من العيدان .

كنتُ من الذين يبادرون بالقفزِ إلى الصّحن، و إن نسيَت أمي أو تناسَت ذكّرتُها.

وضعتُ مثلاً كلّ وجوهي بترتيب مدروس في صندوقٍ أخضر.

لا مجالَ للتعابير أن تهوي أبداً، حكم المسافة معدوم.

كتبُ الدّين فوق كل الكتب، صورة جدّي في المقدّمة.

نبرة الصّوت تُحسَب حساب ميغات خط السبيد في تحميل الصّور.

                           ******

أنا مثلاً، أكتب الكثير من الرسائل و تفوتني الكليشيهات كما يفوتني دوماً فرض الحميمية في حضرة وجهك.

و تفوتني التحيات، أنا أسرح دوماً.

ذهني يسرح أكثر مني، يصمتُ أيضاً.

فأنا مثلاً،

مثلاً.

أنا المثالُ لكلّ الأشياء التي لا أمثلة لها.

لا مقياس للمعان العسل في حضرة الشّمس.

و في الحديث عن الذهب .

كان من الجدير بي غلقُ الهاتف خمسة عشرة مرة تجاوزاً.

لا حديث يستمر، سوى شخير الروح.

للأرواح المنهكة شخيرٌ أيضاً، كسرحان الأذهان.

كأنا ، مثلاً، أيضاً.

في كلّ مرّة سأشعر باقتراب البكاء .

في كلّ مرّة تتركُ النّساء سبّاباتها معلّقةً فوق هدبك.

في كلّ مرّة تستحضر بها خفّة الذاكرة و عدد الأكواب.

في كلّ مرّة تكثر فيها الأشياء .

في كلّ مرّة تذكر أن لا شريك لي إلا المسافة.


بوسني!.

بوسني بعيوني!.

                          *****

لقد تركتُ البابَ موارباً دوماً.

باب كلّ الأشياء ،  كلّها .

عمداً.

نحن نشعر باقترابِ الفقد قبل ميلاده.

كنتُ أعي أنّي ولدتُ فيكَ يا زادَ عينيّ، و أنّي سأترككَ الآنَ أو بعدَ حين جنيناً ينكفئ على شاشة هاتفٍ أو لفافة ماريجوانا.

ليس فقداً ما ستشعرُ.

ولن تبرد مساحة راحتي على فخذك حيث تركت.

كلّنا في رحيلِ الأمّهاتِ نشتهي النوم الحميم و قمصان النّومِ المُعلّة أسفلَ كلّ شيء بفعل الحرارة.

في رحيلِ الحبيبات المشاكسات نشتهي لون الفراغ الذي عُلّقنا فيه كلّ وهلة، والضّجيج الكثير و روائح الأسرّة و الوجوه و شتاء القُبَل.

أمّا ،  و يا وهجَ قلبي

في رحيل الرّتيبات نؤلّه فقدنا و نعلّق الأسماء قيد الذاكرة و نحتسي ذهولنا بقطّارات الحبّ التي كنا نعصم عنها حبّنا.

كلّ الآذان تشتهي البوحَ العنيف .

كلّ الأرواحِ تصفعُ تسعاً و تسعين مرّة برنّة هاتفٍ واحدة.

و عينٌ وحيدةٌ تعرفُ كيفَ تلينُ بفعلِ اللّثمِ.

يا عيوني.

                         *****

"سأتركك الآن أو بعيد حين جنيناً ينكفئ على شاشة هاتف او لفافة ماريجوانا"

يا وجهَ وحدتي الأقبح،

معصية الجسدِ التي ارتكبتها بكفّين تلوّحان لثقلِ الفراغ .

يمين،  يسار.

تتركان كلّ المجاز معلّقاً بتفّاحة عنقٍ وحيدة تُقضَم ألفَ مرّة و تنزلقُ كروحٍ عذراء إلى العدَم.

لقد نفيتُ نفسي،  و تركت كلّ رسائلي يتيمة التّاريخ على رفّ مربّعٍ أزرق تأكله عيون الفضوليين.

كلّهم يصفّقون.

يحشون اسمكَ بأوجاعك.

كلّ الذين ماتوا قبلَ أن يبوحو، سمّوا هذا النّحيبَ كتابةً.

تثير الدّهشة عيني المرميّة عرضَ تفاصيلك الخفيفة.

كلّ هذه الخفّة كنت أسترق النّظر إليها من ثقب كاميرا رديئة و اتّصال ضعيف.

لونُ الشّعر، كثافة الحاجبين، شكلُ الأظافر، ذبول العينين ولونهما الذي استهلكَ نظري كلّه، التقدّم في السنّين الأماميين من الفكّ العلويّ، شحمة الأذن، لون الاريكة، اللوحة الملصقة أعلاها، الفنجان العسليّ، الوريد البارز الذي يصل اليد مروراً بالكوع، السيجارة، الشّامة في الإبهام.

مساحة الجّسد التي ام أطأها قط بكلّ تفّاحها تمرّغ وجهي في العدم و تستلذّ .

                            *****

للذي بدأته في الكتابة ،

كلّ الذين صرختهم بعدك، صرختهم لأنك لست هنا ولن تكون.

إليكَ أنتَ بمعزلٍ عنّي و عن كل الذين يحتملُ صراخهم، إليك يا ابنَ يأسي و ابن الملل الكبير.

سأظلّ أظنّ بأنني أجاري الذين صرخوا من قبلي و معي.

كل الأصواتِ تفوق صوتي.

كل القلوب تفوق قلبي .

ولا يأس يفوق وجهك.

لا يأس يفوق وجهك.

"و كلّ اللي حملتو منّك برجع بتحمّلو"

________________________________________________________________________

**أميرة العيد - كاتبة سورية

*العمل للفنان John Baldessari

تم عمل هذا الموقع بواسطة