"موشَّحٌ لم يكتمل على مقامِ "مِحدِّين" بن عربي"
وأعرفُ أنَّهُ بَلَغَكَ، أيَّها ((الأميرُ)) السعيدُ، أنَّنا هُزمْنا في الأندلسِ.
تَركْنا القلاعَ، والرخامَ، والكؤوسَ المرصَّعةَ، وهَربْنا.
تَركْنا بناتاً لنا يَنتحِبْنَ عارياتٍ، تحتَ أشجارِ اللبلابِ، والزيزفونِ، في حدائقِ قرطبةَ.
تَركْنا الممالكَ، والمكتباتِ .
تَركْنا القصائدَ.
تَركْنا كلَّ ما كانَ، ولمْ يكنْ؟!
***
كانَ الفرنجةُ القساةُ، على أسوارِ القلاعِ، يطرقونَ أبوابَنا الكبيرةَ بالسيوفِ.
وكنَّا نحنُ نُدَلِّكُ سيقانَ الجواري، في المخادع .
بالعصفرِ الآسيَويِّ، وحنَّاءِ إفريقيا، وبالطينِ المعطَّر، بالعنبر الملكيِّ، وبالشبق.
***
بَلَغَني. أيُّها ((الأميرُ)) السعيدُ، أَنْ :
لمْ تَكُ ((غرناطةُ)) وطناً لنا، أبداً.؟!
بلْ كانت المنفى الطويلَ. للهاربينَ، منْ قبائلِهم، ومنْ ثأرٍ عريقٍ.؟!
وكانَ عبدُ اللهِ الأخيرِ، يداعبُ مذهولاً في ليلهِ السِّرِّيِّ، عاناتِ القشتاليَّاتِ الذَّهبيةَ، التي منْ حريرٍ، بيدَيْهِ الطريَّتينِ، ويشربُ نخبَ البلادِ التي منْ ذهبٍ.
***
ولَّادةُ. أَبنتُ الوزيرُ الكبيرِ، كانت تُمكن عشاقها.؟! وتبيعُ الواصلينَ إليها.؟!
*******
"بالرسائلِ المشفَّرةِ، من شَطْرِألفونسو"
حمرةَ الخدِّ، وبعضَ القُبلِ.
وكنَّا نحنُ، نمارسُ حقدَنا، في الأنينِ.
و في بردِ النزوحِ.
شرقاً وغرباً.
وَ ((النارُ في كلِّ الجهات))؟!
***
اليومَ، أيَّها النبيلُ، ياأبانا الأصيلَ، يابنَ ماءِ السَّماءِ.
نحنُ الذينَ بلا أمهاتٍ، وُلِدْنا.
لا غرناطةُ، لنا أبداً، ولا منفى.
بل عُراةٌ. عُراةٌ، عُراة.
على بابِ خيمةٍ، نرتِّبُ ظلَّنا كالسُّنونو، ونَعُدُّ الحصى، والغياب.
نَعُدُّ القبورَ الضامراتِ، على مهلنا، وصبرُنا السرمديُّ.
ملامحُنا.
أصابعُ ما تبقَّى.
للذينَ، يطلقُ البحرَ الرصاصَ لهم، والجنائز.
نحنُ
يا أميرَ المواريثِ، والخطبِ الطويلةِ
سوفَ نرفعُ جوعَنا، رايةً بيضاءَ.
كمن يمسك طفلاً ناصعاً، نحوَ السَّماءِ.
بلا رضاعةٍ.
بلا حطبٍ، أو رغيفٍ، أو بلد.
***
نحنُ.؟!
حفاةُ الروحِ والقرى النائياتِ.
نرفعُ لك. ((تلالَ أحذيةٍ)). تُركَتْ على شريطِ الحدودِ. تلالَ الحقائبِ، والذكرياتِ.
لنكتبَ بالصمتِ. مُعلَّقةً من الخيباتِ.
بماءِ القلوبِ. التي غصَّتِ.
بملحِ البحارِ الغريبةِ.
وبعضَ الغضبِ.
لنكتبَ على الغاباتِ، على الجهاتِ. على الرياحِ. الحجارةِ. أشرعةِ المراكبِ. التلالِ. الجبالِ. السهولِ. السهوبِ. وكلِّ شيءٍ. كلِّ شيءٍ. كلِّ شيءٍ.
ذلَّ الرمالِ.
وذلَّ الرمادِ.
وذلَّ العرب.
***
بلدٌ. يضيعُ. أم. ولدْ.؟!
مَدَدْ.
مَدَدْ.
مَدَدْ، مَدَدْ.
لا شيءَ في أفقِ الغبارِ، ولا أحدْ.
________________________________________________
** محمود باكير - كاتب سوري
* اللوحة للفنان السوري "عقيل أحمد"