لا أقصد بالمرايا المعنى الفلسفي لانطباع الذات وتحولها من شكل لشبيهه بتكرار مقصود بغية التقليد لامتطاء الحكمة المرئية مسبقاً بالشخص المعول على تقليده وتكوينه، بل أقصد المعنى الحقيقي المادي للمرآة العاكسة للشكل والمظهر، أولئك -أي نحن-، كنا –ولا زلنا- نكره فكرة التعاطي مع الواقع كأمر محتوم يتوجب علينا الانصياع له دون مبررات أو أسئلة عن عدم منطقية وتراتبية الكون السائد حولنا، أولئك الذين يحبون المرايا يقضون الأيام نظراً لذاتهم ومقترفاتهم البذيئة ويحاولون تجميلها بعبارات منمقة تعلموها في مدارسهم عن أولوية العيش بالسعادة المصطنعة وتجاهل الأسئلة الصعبة وتفادي العودة للوراء لفهم الحادث أياً كان، يقضون الساعات ناظرين إلى أنفسهم يحاولون محورة ذاتهم بالنسبة إلى الكون، ويرسمون بناءً لأناهم دون الـ نحن فيقف الصمت أمامهم ليذكرهم بدواعي الاعتراف بأهمية سخطهم وحجمهم اللا متناهي في الصغر .
مر العام علينا نحن كمرور كرام الحي، مخبّطاً إيانا وقاذفاً بنا إلى دوامة البحث عن الأجوبة ومصيرها الاكتئاب من نمطية العيش وروتين الموت المستمر رغماً عنا ،يسقط العجز كلما أوينا إلى فراشنا وآخر يأوي لقبر، يسقط العجز كلما سددنا رمقنا من لقم وآخر يسد فمه الرصاص، يسقط العجز حين تعترينا رغبة عارمة بالبكاء لأتفه الأسباب وآخر تلوى حتى جف دمع مقلتيه، يسقط العجز حين نرتمي بأحضان من نحب باكين على خسارة أو فقدان وآخر يخسر ويفقد ولا يرتمي إلا على الأرض حزيناً، هي الأشباح التي تلاحقنا كل يوم وتروي لنا قصصها ما قبل النوم، هو الكابوس الأبدي الدائم مذ فهمنا حقيقتنا وإدراكنا للكون المتسع المليء بالوحوش التي أبت إلا أن تعكر صفو الفطرة النقية .
يقول السائل أنا أدركنا بعضاً من فيض فلم العجب ؟
يجيب الآخر أن الإدراك كالعلم والحرية لامتناه فلا وصول للحقيقة المطلقة ولا فحوى للسعي نحو الكمال، بالأهمية ذاتها للسعي نحو الحقيقة للوصول لأجزاء من الحق يكملها الباحثون الآخرون، يسئل السائل مجدداً لكن السعي نحو الحقيقة وهم كبير فلا وجود للمطلق النهائي كما ادعيت أنت والجزء من الشيء لا يترابط حتمياً مع الأجزاء ألأخرى وهنا يكمن الضياع في ربط الأدلة سوية للوصول إلى المراد، يجيب آخر والخطأ أصلا بافتراض وجود للمطلق فالكون والعقل والمنطق في تمدد دائم بلا أي ثبات دون الحب، يجيب القلب نعم، يجيب العقل لا، فيدور الصراع مرة أخرى.
لم نرتطم بالقاع بعد ونعلم ذلك كل العلم ونعلم حتى أين ومتى سنرتطم وكيف، لكنا لسنا بالجرأة الكافية لقرار شجاع كهذا فنترك الأمر للزمن أن يأخذ مجراه ليوصلنا إلى الخسارة المطلقة وأسفل القاع، حينها ستتخلى عنا كل مفاهيم اليأس والأمل، الخسارة والربح، السعادة والحزن، فنغدو أحراراً من الجسد ونتحرر من الإنسان ذاته لنعود للتراب.
______________________________________________
** مهند بابللي - مدّون سوري
* اللوحة للفنانة (سوزان ماري ليكلاير)