من "الطريق إلى قلب الرجل معدته " وصولاً إلى " الرزق الذي يأتي مع المولود الجديد"، عن الثقافة المتوارثة جيلاً بعد جيل كشعلة من النار، يحملها الجيل الحالي ليرميها لاحقاً في حضن أبنائه، ليس مهم الوعي الذاتي أو معرفة وفهم ما هو مهم في حياة الفرد بشكل خاص أو تطوير وعي مجتمعنا السوري بشكل عام، بل اﻷهم على اﻹطلاق هو المحافظة على العادات و التقاليد.
الكثير من الفتيات في المجتمع الشرقي يعتقدن أنّهن لو خُلقن شباناً لكُن أكثر وفاءً و إخلاصاً من الرجال الشرقيين، بل أفضل الرجال على اﻹطلاق، لكنّ صفات الوفاء و اﻹخلاص و الخيانة ليست مرتبطة بالجنس، فقبل أنّ نكون رجالاً أو نساء، شباناً أو فتيات نحن بشر، وغالباً هذه الصفات تنشأ من التربية و الوسط المحيط الذي نشأ فيه الطفل، فإما أن تكون بيئة فاسدة تنتج إنسان فاسد أو بيئة صالحة تنتج إنسان صالح بغض النظر عن جنسه.
وهنا يأتي دور المجتمع الشرقي ممثلاً باﻷسرة، ففي الوقت الذي يبرر فيه مفهوم النرجسية الذكورية من خيانة و تعدد العلاقات_ سواء كانت علاقات شرعية أو غير شرعية_ يبرر مفهوم المادية اﻷنثوية أيضاً، بل و يشرعها المجتمع بطريقة مستترة، أي بانتقال الوصاية المادية و المعنوية من وصاية اﻷب و اﻷم إلى وصاية الزوج، و ذلك ﻷسباب عديدة، أهمها مفهوم الوصاية الذكورية المتأصلة، إضافة لعدم وجود مدخول مادي ثابت و دائم للمرأة يؤمن لها الحماية و الاستقرار.
و على الرغم من أن مفهوم المادية يعتبر غالباً مفهوم سلبي، لكنني من الناحية الواقعية، لم أستطع وضع جميع النساء في خانة واحدة، حيث تتعدد المادية باختلاف وضع و حاجات النساء، منهن ماديات جداً، يتسلقن سلم النجاح على أكتاف اﻵخرين، دم اﻹستغلال يجري في عروقهن، يبحثن عن حائط متين يسند ثقلهن المادي و لو كان رجلاً فاسد، بمعنى آخر، أنهن يبحثن عن البريستيج الإجتماعي بشكل مادي بحت، علاقة متينة على قاعدة ربح_ربح، هي تعزز نرجسيته وهو يكافئها مادياً.
أما النوع اﻵخر من النساء هو الذي فرضت عليه ظروف قاهرة و خارج إرادة المرأة كحالات الاغتصاب أو الزواج المبكر، وصولاً إلى رغبة المرأة نفسها في تحقيق الاستقرار و الإنجاب و تلبية غريزة اﻷمومة أو فقط هربا من لقب العانس.
و بسبب واقع الحرب الذي تعيشه سورية امتد مفهوم المادية ليشمل الرجال أيضاً، أي أن أهمية المرأة تكمن في معرفة من تكون؟ ابنة من أو أخت من؟ و هل تستطيع حمايته من براثن الحرب؟
من الطبيعي أن تحكم علاقات البشر بعض الظروف و المصالح المتبادلة، لكن الغريب حقاً هو الزواج القائم على المصلحة فقط، كمن يبني منزلاً من حجارة بلا اسمنت، و يرفع أساساته على أرض من الرمال المتحركة ينهار بانتهاء المصلحة ﻷحد الطرفين أو يستمر ظاهرياً بلا معنى حقيقي.
وعلى الرغم من كل الظروف و السلبيات التي تحكم مجتمعنا استطاعت عائلات و أسر تحقيق التوازن و تربية أجيال على مبدأ العاطفة والاحترام و المحبة الصادقة.
تنتهي الكلمات بوصف النساء النساء اللواتي رفضن المادية بأشكالها المختلفة و دفعن ثمنها عمراً، و الرجال الرجال الذين يملكون ما يكفي من الوعي و اﻷخلاق ليرفضوا موقع السلطة التي أورثها المجتمع لهم، و يعززون مفهوم العدالة و رفع الوصاية عن حياة المرأة، هم الذين يدفعون ثمن حقهم في اﻹختيار و أخذ القرار، يرفضون الفساد الاجتماعي الذي يخرج من البيوت البيوت.
__________________________________
** رؤى بستون - كاتبة ومدونة سورية.
* الصورة من الانترنت.