لم يكن منصفاً القول إن "عبد الرحمن العزاوي" أحد أهم مطربي العراق، دون قول إن ما لم يفعله النقاد والمختصين والإعلام منعه من التواجد في الذاكرة العربية، بجانب الغزالي ومطربي تلك الفترة التي شهدت جوراً على بعض الأسماء.
ولد العزاوي في "الخالدية" عام 1928 وعاش فقراً جحيمياً رافقه طيلة حياته، يرفض العزاوي نعته بأنه من أتباع المدرسة القبانجية رغم التأثرالواضح بهذه المدرسة وفنها، وينسب خطواته وصقل موهبته لوالده، في حين كان والده بعيداً عن هذا المجال وغير مسموع به، ولكن هذا حال الكثيرين ممن يقولون بأنهم في مكان غير الذي هم فيه.
بدأ حياته في الكتاتيب على يد "الملا"، تعلم وحفظ القرآن مما مكنه من امتلاك لغة سليمة ونطقٍ سليم، وتثقف خلال وصوله للمتوسطة ونيله لها، فامتلك ثقافة لا بأس بها بين أقرانه، وحفظُ القرآن حقيقةً يقوّم اللسان وقواعدالنطق، فتميز بأداء القصائد الصوفية والقصائد العربية والتلاوة والإنشاد في المناسبات والشعائر الدينية.
له مميزات الصوت الذي ينتمي لفصيلة "تينور" والتون النظيف والمساحة الجيدة، وغنى الكثير من المقامات في الاذاعة والتلفزيون، حيث دخل الاذاعة في وقت متأخر عن معاصريه، في عام "1963" في منقبة نبوية شريفة، استمع اليه من بين الحضور الحاج "هاشم الرجب" الذي أبدى اهتماماً بصوته وشجعه، ليطلب العزاوي منه بعد فترة السماح له بالتقدم لاختبار الإذاعة حيث كان "الحاج" رئيس اللجنة المسؤولة عن فحص الأصوات، وتقدم ونجح وقدم أول مقام له وكان "الراشدي" مع فرقة "الجالغي البغدادي" بقيادة الحاج"هاشم الرجب" والمرحوم "شعوب ابراهيم" وكان"الزهيري" الذي قدمه "العزاوي" من كلماته :
بهواها شفت العجب من يوم خلتني
بفنونها والحسن ياربي خلتني
بين الحيا والأمل والموت خلتني
حاير صرت يا ترى بين الجفا وامان
متعاهد اويا الولفباقسامنا وامان
بعد الحلف والقسم يمته الوصل وامان
بلكي يعود الهنا يا قلبي خلتني
كانت مشكلة العزاوي غروره، حيث كان متمسكاً بكبريائه، ومن الأمورالتي تُثبت أنه مغتر، ما قيل عنه، أن "العزاوي" تواضع مرة واحدة فقال :" لا يوجد في العالم مطرب سوى أنا وأم كلثوم"، لم يستمر بعمله في أي مكان أكثر من أسبوع لمشكلة في التعامل مع الأعمال والناس عموماً، إلا أن عمله في المتحف البغدادي مع الفرقة المقدمة للمقام هناك استمر سنوات حيث كان الغناء عملاً لمرة واحدة في الأسبوع، وكانت في فترة السبعينات من القرن الماضي.
نستطيع القول إن اللحظات التي تركها "العزاوي" في الذاكرة العراقية ليست بالقابلة للنسيان، حيث التعابير المكثفة والطرب كان يرافق المستمع سنوات كأنه في كل لحظة يغني، ولكن "العزاوي" بقي اسماً عراقياً لم يصل صيته أبعد، بسبب التجاهل الإعلامي والنقدي، حيث صنع الضوء في الظلمة، وغنى المقام ونقله كما يجب، ليكون أحد أربعة كبار حرسوا حدود المقام في زمن الأغنية التي تسير بسرعة نحو التجديد، وبقي مطرباً محبباً حتى رحيله في"الأعظمية" عام 1983.