حيدر محمد هوري، السوري الفائز بالمرتبة الثالثة عن فئة الشعر في مسابقة الشارقة، ديوانه بعنوان "كبرتُ حين ضاق القميص"، عنوانٌ مباشرٌ من قلب الشاعر إلى قلب قرائه، جملةٌ ربما تلخص رحلة السنوات الماضية وألمها، أرضه التي غادرها وانتماؤه الأبدي لها، الحوار معه كان بسيطاً لطيفاً شعرياً مشبعاً بروح القرية وعذوبة مياهها..
من هو حيدر محمد هوري؟
حيدر الشاعر مختلف تماماً عن حيدر المحامي، فهو الريفي البسيط الذي يحاول ترجمة الماء في حنجرة الطبيعة إلى قصائد. مستمداً بساطتي من أهل قريتي الصغيرة (فريرية)، التي تنمو ع مثل لفظ الجلالة في عيوني و رئتي.
أنا ابن تلك المقدسة التي ﻻ تجيد سوى كورديتها، أمي التي تعرش مثل دوالي البيت في قلبي. وابن صاحب الجبهة السمراء الذي استثمرته أشعة الشمس ليكون كالمشكاة في خطو عيوننا كلما راوغتنا مكائد الضلالة و الضياع.
وكيف تصف لنا علاقتك مع الكتابة؟
العلاقة مع الكتابة بدأت في عام 2003، وكانت تلك أصعب مرحلة، فأنا أكتب بغير لغتي اﻷم (الكوردية) بسبب سياسات القمع التي كانت تمارس من قبل السلطة ممثلة بأجهزتها اﻷمنية، حيث كان اقتناء كتاب باللغة الكوردية يمثل جرماً يودي للسجن. فحاولت ترويض هذه اللغة و جعل مفرداتها و كلماتها الجموحة و المتمردة سائمة في مقام قلمي.
وقد أنجزت عدداً من النصوص جمعتها في مخطوطين، وفي عام 2006 كانت المرحلة الثانية لي مع الشعر،
حيث كانت مرحلة المواجهة المباشرة مع المتلقي و ذلك في (نادي التمثيل العربي) في حلب الذي كان برئاسة الدكتور (محمود فاخوري) رحمه الله، اﻷمر الذي هيأ لي أسباب التعرف على بعض اﻹخوة فيما بعد ومنهم اﻷخ العزيز والإنسان الشاعر (حسن إبراهيم الحسن).
ومن خلاله عرفت المسابقات والجوائز اﻷدبية، فكان عام 2007 هو العام الذي أحصد فيه أول جائزة شعرية.
ماهي مجالات الكتابة التي خضت بها؟ وأيها تفضل؟
أكتب الشعر و أراني شاعراً بالدرجة اﻷولى، وأحيانا حين أعجز عن توظيف فكرة ما بالشعر أكتبها قصة.
ولدي محاوﻻت في كتابة النص المسرحي، لكنني كما قلت أراني شاعراً، ولدي من المخطوطات الشعرية: "لي إخوة في الكهف"، "خائف كشرفة في الحرب"، و"كبرت حين ضاق القميص".
وفي القصة مخطوط بعنوان "أبواب خزفية"
وفي المسرح "الزجاج" و "القلعة" (نص مونودراما).
و أرى أن تجربتي مع الحرف بدأت عام 2007.
هل تعتبر هذه الجائزة أفضل إنجازاتك على صعيد الكتابة؟
ﻻ يعني لي الفوز كثيراً ﻷنني ممن ينظرون إلى الحرف كمحراب خاص أهدهد به ذات حيدر في زمنٍ عجن رمله بالدم والجريمة، في زمن ﻻ تشير عقاربه إﻻ إلى تمام توحش الطين فينا.
وﻻ أخفيك فأنا من قبل كنت أبني طموحاتٍ وسعادة مسبقة في حال الفوز بجائزة ما، لكنها الحرب التي تقلب معطيات الحياة وتكسرها كطبق من زجاج على صخرة صلبة، فتتشظى القيم و الرؤى و اﻷحلام وحتى ذكرياتنا مع اﻷصدقاء الذين صاروا أو وجدوا في أنفسهم أعداء ﻷنفسهم.
ومتى قررت التقدم إلى مسابقة الشارقة؟
الشارقة، ﻻ أذكر تماماً ما رقم هذه المحاولة ربما هي الثالثة، العام الفائت حصلت على تنويه أول بديوان حمل عنوان، "خائفٌ كشرفة في الحرب"، أما هذا العام فكنت قد قررت عدم المشاركة. لكنهم اﻷصدقاء، فقد ألح عليّ كل من الصديقين "أحمد عثمان" الشاعر الذي نال المركز اﻷول و الصديق "محمد العثمان" الناقد و الشاعر أن أشارك، وبقيت على ذاك التردد حتى اليوم اﻷخير، ثم قبل ساعات قليلة من إغلاق باب المشاركة أرسلت الديوان عبر البريد اﻹلكتروني. و كان لي نصيب الفراشة من رحيق الربيع
هل يمتد يأسك من الزمن والأحوال الراهنة إلى رأيك بالأدب والأدباء والكتاب حالياً؟
هو ليس يئساً عندما يكتب في نصوص الشعراء والروائيين وكتاب القصة، بل هو العدسة التي تقرب الواقع و الحقيقة في عيون الحاضر، والمستقبل في أغلب اﻷحيان.
هل ترى ان الأدب في مرحلة مزدهرة هذه الفترة خاصة مع هذا المد الالكتروني ووسائل التواصل، أم أنه في مرحلة تراجع؟
اﻷدب الحقيقي سيبقى في مسيره المنتظم و المستقيم ولن يتراجع فله طلابه، لكن بإمكاني القول أن اﻻهتمام به قلَّ من قبل الناس، وﻻ يمكنني أن أحكم عليه بالتراجع. ومن يدري فربما نشهد يوماً ما استخدام هذه التقنيات بشكل أوسع في دفع الأدب نحو اﻷمام. مثل استخدام المونتاج و المؤثرات الصوتية و سواها من اﻷدوات و التقنيات التي نجهلها.
و هل تنشر في المواقع الالكترونية والصحف؟
نعم لكني مقل جداً، ربما كسل أو قلة ثقة أو أنها تداعيات العيش في المهجر، وأحياناً وهذه اﻷحيان كثيرة الواقع المشبوه لتلك المساحات المبنية على الشللية و المحسوبيات واعتبارات تتعلق بلوثة الطين.
كلمة أخيرة منك للموقع وللقراء..
"كبرت حين ضاق القميص"، هواجس مشردة حاولت فيها أن أجد أماً و أباً لليتيم وطاقات ورود للحالمين بماء الحياة وسنابل و حنطة للجوعى، وحمائم بيضاء للمهجرين والنازحين شرفات بيوتهم و أزقتهم و شوارعهم.
حاولت فيها أن أفرغ مخازن الجند من الرصاص و البارود.
حاولت فيها أن أكون سوريا بكامل كورديتي.
حيدر الجميل صاحب هذه الإجابات الشاعرية الراقية والروح المتخمة بالحنين. مصرٌّ دائماً على أن يبقى رجلاً قروياً يستقي طبعه من الطبيعة، يكتب كي لايضمر الجمال، "الجمال اليقيني" بحسب قوله، ويبقى حلمه الأجمل هو كأس شاي معتق على الجمر مع الرعاة في القرية.
______________________
حوار مروة ملحم (كاتبة سورية)