في عصر الكتب الالكترونية والسهولة التي يوفرها الإنترنت للوصول إلى أي كتاب تريده، بسرعة ودون جهد أو حتى بذل مال، في واقع كهذا أن تفكر بإنتاج عمل أدبي دون دار نشر وعلى نفقتك الخاصة، ثم تقوم تسويقه أيضاً بيدك ونفسك هي مخاطرة كلية وفعل أقرب للجنون منه للعقلانية، علاوة على أنه قد يكون مشروع خاسر تماماً لصاحبها، ولكن ما حمله كتاب "الحرايق" من تجربة إنسانية خاصة وكثافة شعورية وفكرية تركت أثرا كبيرا في نفس قارئها، و كان هذا الإقبال والحب الذي أحيط به العمل أكبر نجاح حصده الكاتب، في جملة الصعوبات التي واجهها خلال تجربته الصغيرة الزاخمة .
كيف بدأ الكاتب بمشروع النشر وكيف تعامل لاحقاً مع الصعوبات التي واجهته نحاول في هذا المقال أن نسلط الضوء على هذه التجربة الانسانية، وما حملته من تعب ونجاحات برفقة كاتب "الحرايق" من خلال هذه الرحلة في ماورائيات الحرايق والنشر.
حيث يقول الكاتب:
كان من المفترض أن يكون الكتاب مشروعاً صغيراً خاصاً بي وبالدائرة الصغيرة من الناس التي أقاسمها حياتي لذا لم أسأل على كم المخاطرات المترتبة على هذا المشروع، في النهاية لم أكن أحاول أن أقدم دُرة أدبية ولم أكن معنياً بالتقييم الأدبي ولا نقد أصحاب الياقات، كان هدفي أن تصل رسالة معينة من خلال تجربتي الشخصية لأشخاص أحبهم، في تلك الفترة كنت أذهب تحت ضغط ظروف معينة عشتها إلى احتمالية خسارتهم في ظل الغربة والقطيعة والموت... الخ، لذلك لم أكن معنياً بكل ما كان سيترتب على التجربة من نتائج سلبية وحاولت ألا أستسلم لكتل المخاوف تلك ثم تقرر لاحقاً عبر ظروف معينة، أن أقوم بطبع الكتاب ونشره كونه مرتبط بما أقدمه وقدمته بشكل أساسي في أعمالي الموسيقية السابقة، لذا قررت بعد الانتهاء من أمور الكتابة والطباعة أن تخرج "الحرايق" للضوء من خلال حفلة موسيقية يتم فيها توزيع الكتاب كبطاقة دخول للحفلة.
ثم يضيف:
كنت أتوقع أن يحضر الحفل مئة شخص على الأكثر، كان ذلك سيكون أمراً رائعاً بالنسبة لي ويكفيني، كانت تذكرة الدخول مع الكتاب بسعر "10 دولار" وهذا في لبنان سعر رخيص جداً مقارنة بالحفلات الأخرى التي تقام في الأحوال العادية.
في الأيام الماضية حين كنت أعمل وقادراً على ادخار بعض المال، قمت بتجميع الأغاني التي غنيتها على سيدي واحد طبعته وغلفته ثم قمت بتوزيعه على نفقتي الخاصة أيضاً من يد إلى يد، بالطبع لا أفاخر بما صنعته ولكن هذا من منطلق إيماني وحبي لما أقوم به من عمل، وغايتي من القيام به بالأساس، ربما نحتاج الكثير من الوقت حتى نتعامل مع هذه الأمور باحترافية ومهنية تامة كوننا نعيش في بلاد لا يتوافر فيها حتى الآن الماء أو الكهرباء قبل أن توفر لنا ظروف التعامل الطبيعي مع الانتاج الموسيقي الحرّ كأداة كافية للعيش.
في حفل إطلاق الكتاب الذي تم في "راديو بيروت،" سُجل رقم قياسي للحضور بالنسبة للمكان الذي كان صغيراً نسبياً حيث تم بيع من خلال الحفل أكثر من 220 نسخة من "الحرايق".
مجرد تجمع الناس في المكان لأجل الكتاب كان بالنسبة إلي إنجازاً لا يضاهى، من جهة أخرى استقبلت أمكنة أخرى الكتاب وعرضته كنوع من الدعم للمشروع، وتم تناقله بالأيادي لمجموعات قريبة من الناس وفي لبنان وصل إلى مناطق منها طرابلس وبعلبك وصيدا، وخارج لبنان تواجد الكتاب أيضاً في اسطنبول والقاهرة والأردن، حيث كانت أمور النشر والتوزيع تتم من خلال بوست عبر الفيس بوك على الصفحة الرسمية للحرايق والمراسلات، ثم بعد فترة صار الكتاب يُطلب من خلال مناطق أخرى في العالم، تفاجأت بكم الحب الهائل الذي لاقاهُ المشروع سواء من ناحية الإقبال على الشراء أو الدعم سواء برسالة صورة نص أو حتى تسجيل صوتي ولاحقاً قمنا أيضا بخطوة التوصيل المجاني في لبنان.
وعن الأسئلة التي طُرحت فيما يخص إذا تم دعم المشروع من خلال دور نشر أو من قبل المنابر الثقافية يقول:
لا لم يأتني أي عرض من أي دور نشر، بل على العكس تماماً تم التعامل مع المشروع كما أنه لم يتواجد مطلقا وهنا أقصد خاصة الناس المعنيين بهكذا مواضيع ثقافية، سواء من خلال الكتابة عنه أو تقديم صيغة معينة للمساعدة في نشره.
الآن لم يتبق سوى 300 نسخة من أصل 1000، وزعت خلال شهرين فقط من بدء إطلاق الكتاب وهذا الرقم قياسي بالنسبة لي وبعد نتيجة كهذه حققتها وحدي وبجهدي الخاص لن أكون بموقع الطالب أبداً فيما يخص أي شيء بالنسبة لكتابي.
ويُضيف..
بشكل مباشر أغلب الناس اللذين ساهموا بتوصيل ودعم الكتاب هم أشخاص لم أعرفهم ولم ألتقِ بهم في حياتي كان هذا الأمر رائعاً وقد عوّض بفارق كبير بعض الخيبات الصغيرة التي رافقت مشروعي من قبل أشخاص أو جهات مقربة.
في النهاية أنت لا تستطيع مواجهة مطحنة كبيرة بمفردك ستكون بحاجة الدعم والمساعدة بكل تأكيد في ظل كل هذا التجاهل المقصود لمشروع الكتاب والجهد الذي تم بذله، من قبل منابر معنية بأي موضوع أو حدث ثقافي يجري في البلد.
لقد تواجد الكثير من الناس حولي لدعمي ومساندتي على سبيل المثال أكثر ما جلب لي السعادة هو وصول الكتاب إلى الغوطة/دمشق بعد محاولات كثيرة لتأمين وصول الكتاب إلى تلك المنطقة، والتي ساهم بعض أفرادها في العمل مسبقاً على فيديو لأغنيتي تتليت حيث أرسلت نسخة pdf إلى أحد الأشخاص المتواجدين هناك والذي قام بطباعة نسخ منها وتوزيعها في الغوطة على نفقته الخاصة رغم الحصار والوضع المأساوي هناك .
في ذات السياق ومن هذا المنطلق فيما يخص بدايات المشروع، قام بعض القراء الذي حصلوا على الكتاب بتصوير الكتاب ونشر الصور من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، ثم وبشكل تراكمي ازداد معدل الصور التي وصلتنا من الأشخاص الذين قرأوا الكتاب في كل أنحاء العالم نتيجة لذلك قمنا بإنشاء ألبوم على الصفحة الرسمية لكتاب "الحرايق" على الفيس بوك لضم كل تلك الصور التي كانت تصلنا قرابة كل يوم باسم "الحرايق صارت بين الأيادي"
في النهاية يختتم بو ناصر رحلته ويقول:
تم إحاطة العمل بالكثير من الحب والتقدير وهذا كان أكثر مما كنت أتوقعه وأرجوه، كل تلك التفاصيل التي رافقت هذه التجربة المفعمة بالمشاعر الانسانية الكثيفة، جعلت قلبي واسعاً فالعطاء الذي منحته بكل حب قابله ذات العطاء الغير مشروط من قبل الناس وكان هذا أكبر إنجاز حققته من خلال الكتاب.