21 Feb
21Feb

بدأ بو ناصر مسيرته الموسيقية عام 2009، حين أصدر أغنية "طفّار - مدينة الشهدا" وتبعها ألبوم الطفّار، صحاب الأرض ثمّ العديد من الأغاني المنفردة والمشتركة في الألبومات، من بينها ألبوم "تتليت" الذي صدر أواخر 2014، إضافة إلى حفلات كثيرة أخرى أقامها في لبنان، ولكن حين توجه بو ناصر لمشروع كتابة ""الحرايق""، لم يبتعد بذلك كثيراً عن الجو العام لطبيعة أعماله السابقة وما تضمنته من خطاب ثوري موجه وتمرد إنساني شامل على القيم المجتمعية والنفسية المفروضة على الانسان منذ لحظة نشأته في بيئة معينة.
 ورافق المشروع الكتابي أيضاً محاكاة بصرية وموسيقية، تركت عند المتلقي انطباعات وتساؤلات كثيرة ومن خلال هذا المقال نستعرض للمتلقي الجُند المجهولين اللذين تواجدوا خلف ""الحرايق"".

هل يمكن للموسيقا أن تحاكي عملاً أدبياً إذاً؟

هذا ما تم إنجازه من خلال المسار الموسيقي للحرائق، والذي قام بتأليفه "ياكوزَان"، حيث شارك المؤلف الكاتب في جملة من الحفلات الموسيقية سابقاً، إلا أن المسار الموسيقي الرسمي للحرائق كان أول عمل رسمي يجمع بين الإثنين.

عايش الأصلي مع الكاتب المرحلة التي بدأ فيها بكتابة ""الحرايق"" ومن هذا المنطلق جاءت فكرة المسار الموسيقي، كمحاكاة موسيقية للعمل الأدبي من جهة وكنوع من المساهمة في دعم الكتاب من جهة أخرى، حيث تم إصدار المسار الموسيقي قبل البدء في توزيع الكتاب بفترة، وأما عن الموسيقا فقد تلاءم مضمونها مع الجو العام للكتاب والطابع الذاتي الذي عمل به الكاتب في أعماله الموسيقية السابقة أيضا، حيث انتقل "ياكوزَان" في المسار الموسيقي  بين سبعة مشاهد موسيقية مختلفة معتمداً في بنية موسيقاه وتشكيلها على أنماط موسيقية متعددة، حيث تم نقل الإحساس بين المشاهد المختلفة لمدة 13 دقيقة متواصلة بطريقة خاصة، فكل حركة موسيقية كان لها نوع موسيقي خاص والتي عكست الصور الكثيفة الواردة ضمن الكتاب عن طريق ترجمتها لمؤثرات صوتية بأسلوب مميز قريب من الجو العام للكتاب.

من ناحية أخرى تضمن الكتاب على عدد من الرسومات الداخلية التي تميزت برمزيتها ومقاربتها لمضمون الكتاب وما جاء فيه من مقاربات إنسانية مشتركة وما تخطاه ليكون في كثير من الأحيان أقرب إلى محاكاة نفسية كتبت لتلامس الكثير من الناس الذين يعيشون تقريباً واقعاً واحداً ويتقاسمون كل ذلك الخراب المترتب عليه اجتماعياً وسياسياً وعلى المستوى الشخصي خاصة، فمن اطلع على مضمون الكتاب لا يمكن ألا يؤخذ ويُسحر بذلك التشكيل البصري المتقن والموجه من خلال تجسيده للحالة الحسية الواردة في الكتاب وتحويلها لعمل مرئي مرسوم بتقنية وجودة كبيرتين.

فعلى سبيل المثال ومع شروع الكاتب بالكتابة في الفصل الأول ومحاولاته لاستفزاز وحث نفسه على تنظيم كافة تلك الجلبة التي كانت تدور في رأسه ثم تقويضها والقبض عليها من خلال الكتابة عنها على ورقة بيضاء وما رافقها خلال ذلك من حوارات داخلية تم التعبير عنها بصرياً برؤية خاصة من الرسام أذهب في التعبير عنها على أنها قاسية إلى حد الشفافية والوضوح حيث جسدت الصورة من خلال رمزيتها الكثيفة ذلك الخوف والهاجس الذي يرافق الإنسان ويتغذى على ضعفه ويستغل الفوضى العارمة التي يعيشها المرء ليكبر شيئاً فشيئاً  ويتحول في لحظات معينة إلى كائن منفصل تماما عن الذات، يرافقك كظلك ثم يبدأ بابتلاع جسدك ونبش روحك كما لو أنه حفار قبور .


ويذكر عن الرسومات الداخلية للحرايق أنها اتخذت كمرجعية متكاملة أيضاً في "البوكماركز - علامة مرجعية "، وقد عمل على الرسومات الداخلية للحرايق "سامر صائم الدهر" وهو منتج موسيقي وخريج كلية فنون جميلة من جامعة حلب .

في ذات السياق استخدم الكاتب كطبعة لغلافه صورة لفتى سوري من الغوطة تم التقاطها من قبل المصور الفوتوغرافي السوري "محمد البدرا" ويذكر أن "التايم" منحت البدرا  لقب "مصوّر العام لسنة "2016" تقديراً لعمله الجميل والإنساني في الغوطة الشرقيّة، حيث نقلت كاميرته ملامح الناس والأطفال وتفاصيل الحصار في الوجوه والنّفوس بعيداً عن الصور المجرّدة للحرب والدمار

بعيداً عن الموضوعية وأقرب لما تركته صورة الغلاف على نحو خاص وذاتي في نفسي بتجرد مطلق وبينما أضع عيني مجددا الآن في عيني ذلك الطفل الذي يحاول من خلف ذلك السياج، ذلك الحد الفاصل بين الحياة والحرب، بين اليأس والأمل أن يتجرأ وينظر إلى الحياة بعين تملؤها الدهشة والإقبال على الحياة بكامل طاقتها رغم كل الحزن الواضح والمدفون في عينيه.

 هذه المحاولة الناضجة التي جسدتها عينا الطفل والتي ربما يفتقدها أغلب الأشخاص في وقتنا الراهن، تلك القدرة على النظر إلى أبعد ما يحاول أن يقوض به العالم أفكارنا، أرواحنا، حياتنا طموحاتنا وأوطاننا من خلال سياج وهمي كان أم حقيقي، ذلك النقاء الذي رغم كل القسوة لا يزال يجد طريقة دائماً لكي يخرج وينتفض، تلك الرمزية الصغيرة وما حملته من معان كثيفة ربما جسدت الأشياء التي لم يستطيع الوقت أن يشوهها في ذات الكاتب والتي عبرت عن أناه الطفولية الحالمة بالانتفاضة والتغيير من خلال عيني طفل احتضنتا فضاءات الكون أجمع.

تم عمل هذا الموقع بواسطة