لا شيء بإمكانه أن يقف في طريق الشغف، لاشيء يمكن أن يحجز الإبداع خلفه، لا الحرب ولا البعد ولا صعوبات الحياة والبلاد، قد يكون الألم الخلاق أو مرونة الروح أو الإصرار على هزم الحرب والتعالي عليه، هو مايجعل أسماء السوريين تلمع في كل أروقة الأدب والفن والإبداع، وكل مايمت للجمال بصلة.
كما كل عام في هذه الفترة، صدرت نتائج مسابقة الشارقة الأدبية التي تقام في دولة الإمارات العربية، وقد أصبح من المعتاد أن تكون أسماء السوريين حاضرة في صدارة الفائزين بالجوائز في أغلب المجالات الأدبية، سبعةٌ هذا العام حاز عملهم على التكريم الذي يستحق. الكتابة بالنسبة لهم جميعاً شغف لايمكن العيش دونه، رغم كل الظروف التي تصعب المهمة على الكتاب والمبدعين، ورغم كل عوامل الإحباط والحزن، شقوا طريقهم بين الزحام وبين ضجيج سوق الفن، وهو ربما يكون أفضل توصيف للحال هذه الأيام، بعد انتشار مواقع التواصل وفرض قوانينها على المجتمع، وجعلها الحكم الأول على الفن وصانعيه.
أحمد عثمان وحيدر محمد هوري في فئة الشعر، روعة سنبل ومحمد حاج حسين في فئة القصة القصيرة، مصطفى تاج الدين الموسى ومريم عثمان في فئة المسرح، عصام كنج الحلبي في فئة أدب الطفل. كان لنا مع كل منهم حديث قصير لخصوا فيه مايعنيه لهم هذا الفوز، ماتعنيه الكتابة عموماً، تحدياتها في ظل الحرب وفي ظل الظروف الخاصة لكل منهم، إنجازاتهم التي حصدت الفوز، ماهي وممّ استلهمت.. كل منهم سيخبرنا بنفسه. والبداية مع الشعر
أحمد شكري عثمان شاعر سوري فاز بالجائزة الأولى عن فئة الشعر، كان سخياً في الإجابة عن أسئلتنا المتعلقة به، بديوانه، بنظرته للأدب والفن، بأثر الحرب والبلاد على قلمه والروح التي يكتب بها، وطبعاً كان لروح الكورد الساحرة المشبعة بالتراث، حضورٌ بالغ.
من هو أحمد شكري عثمان ومتى بدأت الكتابة؟
ولدت في أسرة كوردية متوسطة الحال تنتمي للشمال السوري في قرية نائية على الحدود السورية التركية بسيطة بساطة الريف السوري عموماً والكوردي خصوصاً (حه مو مه) (الحمام)، التي تحسبها بمياهها الكبريتية تروي بخريرها الرخيم مآسي الإقطاع وظلم الأغوات في حكايات الجدات حيث سهل العمق الممتد أمامك إلى الطرف الآخر من الحدود يذكر أن ثمة عوائل فصلوا عن بعضهم ما زالوا يعيشون في الطرف الثاني بعد سلخ لواء اسكندون تماما كحال كل الشمال السوري ذو الطابع الكوردي
عفرين تلك البلدة الريفية الوادعة، العابقة بسذاجة الريف وبساطة الناس وطيبتهم، روائح الأرض المقدسة عقب بكاء الغيوم. كل شيء في طبيعتها يغري بالكتابة وبالحنين وبالحلم .
وكم كنت حزيناً لأن أمي رحمها الله، الكوردية البسيطة والتي أرى في ملامحها صلابة شجرة الزيتون وحكمة الغيم ورهافة الماء لم تكن تعرف من اللغة العربية إلا بعض السور القصار التي تقرأها عقب كل صلاة، كانت تهز برأسها كي تشعرني أنها تفهم ما أقوله من أشعار أكتبها وكان للوضع السائد النصيب الأكبر في حرماني كتابتها بلغتي الأم لغتي الكوردية.
كتابتي الفعلية بدأت مع أول لحظة ألم وخذلان، وربما هو محض قدر أن يترنم الكوردي حتى في ألمه بغير لغته الأم.
في بدايات عام 2007 كان لاحتكاكي بقامات شعرية لها حضورها على المستوى العربي إلا أنها تعاني من التهميش في المنابر المحلية، وعبر إيجاد حالة في حلب تشبه حالة الصعلكة مجازاُ، أكبر الأثر في تعميق تجربتي.
أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر صديقي الدكتور "حكمة شافي الأسعد" و"حسن إبراهيم الحسن" و"صلاح إبراهيم الحسن" و"رشيد عباس" و"حكمت الجمعة" و"محمد حج إسماعيل" وشريكي في الدم والتراب والدراسة أخي "حيدر هوري".
هذا الجو كان كفيلاٌ بالبدء بقراءةٍ حقيقيةٍ للشعر.
كيف تصف تجربتك الأدبية قبل الحرب وبعدها؟ وماذا كان برأيك تأثير الحرب السورية على الأدب عامة والشعر خاصة؟
تجربتي الأدبية قبل الحرب بالغالب كانت تتركز على المواضيع ذات الطابع الذاتي وإن كانت تحمل في طياتها مفاهيم كبرى كالموت في حالته الفردية، أصبحنا بعد الحرب نشعر بالموت في حالته الجمعية. تفاصيل الدم والدمار التي طغت على المشهد السوري كفيلة بأن نفهم معجم الحرب وتفاصيل النزوح عبر الأسلاك الشائكة إلى دول الجوار. وتفاصيل الحصار المر الذي عايشته شخصياً في بلدتي عفرين من قبل ميليشيات متطرفة ترتدي قناع الإسلام زوراً، كانت تحاكي بشكل أو بآخر تفاصيل الحصارات الأخرى التي فرضت على المدنيين في الغوطة وفي الفوعة وفي الزبداني وغيرها من المدن السورية والتي دفع ثمنها المدنيون جوعاً وموتاً وألماً.
وأظن أن المعجم اللغوي مهما بلغ من قوة يضيق عن وصف كم الخراب والألم، إذ رأيت بأم عيني في بلدتي أشجار الزيتون تذوي عطشاً والأطفال الرضع لا يجدون علب الحليب والرفوف في المتاجر خاوية إلا من حسرة الأهالي ومن الغبار.
مشهد والدتي رحمها الله وهي تفارق الدنيا حزناً على أخي، ومشهد عمي الراحل "محمد مصطفى أبو خليل" وهو يشتري بعضاً من رؤوس الغنم لأطفاله كي يحميهم من الفاقة بعد أن أيقن رحيله. ومشهد خالتي "حفيظة" وهي تمشي في الشارع وتبكي كي تثنيني عن قراري بالرحيل إلى تركيا.
ثم سنة ونصف من عمر الانتظار وأنا أنتظر زوجتي وابنتي الوحيدة ليلتئم صدع شملنا من جديد، كل هذه التفاصيل كفيلة بأن تجعل من أي إنسان شاعراً.
ماذا يعني لك فوزك بجائزة الشارقة و هل هو أول إنجاز أدبي لك؟
حقيقة الجائزة مشكورةً بجهود القائمين عليها أثبتت حضورها في المشهد الشعري العربي وبقوة عبر تسليطها الضوء على المواهب الشابة، وعلى تشجيع خطواتهم الأولى. وإن كنت حقيقةً أشعر بالحزن والأسى لأن والدتي رحمها الله لم يكتب لها القدر أن تشاركني فرحتي الأكبر شعرياً
ولكن مسابقة الشارقة ليست إنجازي الشعري الأول وإن كانت الأهم، إذ سبق لي أن فزت محلياً بجائزة الجولان الشعرية، واتحاد الطلبة، وجائزة لقاء الأجيال الأدبي الأول في حلب، وجائزة ربيع الأدب في المركز الثقافي الفلسطيني في اليرموك.
هل خضت في مجالات أدبية غير الشعر وأي الأنواع تجده الأقرب لك؟ وأيها في رأيك تحتاجه البلاد أكثر من غيره في أزماتها الحالية؟
الحقيقة أنني لم أحاول الخوض في أي مجالات تانية إلا ببعض الكتابات المسرحية المتواضعة والتي تم عرضها في ألمانيا وبالتحديد في مدينة "كولن"
كانت محاولة لنص مسرحي يسلط الضوء على اللاجئين الذين رحلوا في شاحنة الموت النمساوية بعنوان (بروكلاند 71)، بالتعاون مع المخرج المبدع صديقي آزاد إبراهيم.
وعمل مسرحي آخر أحضر له بالتعاون مع صديقي المسرحي الأكاديمي "حذيفة رحمون"، وهو يحاكي نفس المأساة بعنوان ( الحكواتي)، وإضافة إلى حلم طالما راودنا أنا و"حذيقة" لتحويله إلى فيلم قصير.
ونصوص لأعمال مسرحية لا تزال على الورق تنتظر أن تبصر النور يوماً ما، إلا أنني حقيقةً لا أجد نفسي إلا في مجال الشعر. وأظن أن كل الأجناس الأدبية من مسرح وقصة ورواية وشعر تحتاجه البلاد في أزماتها.
هل سببت الحرب صعوبات في مجال الأدب.؟
الحرب بالتأكيد قد سببت صعوبات في مجال العمل الإبداعي، وإن كانت بنفس الوقت محفزاً كبيراً للكتابة الإبداعية وهو ما تجسد وبقوةٍ بالحصاد السوري الذي أزهر رغم كل كم الألم والحزن وفي مختلف المجالات في مسابقة الشارقة حيث كان للسوريين حصة الشمس مع أدباءنا في المغرب العربي.
ماذا تخبرنا عن الديوان الفائز بالمسابقة؟ المواضيع التي يتناولها وهل هو شعر عمودي أم تفعلية؟
المجموعة الشعرية هي تسليط للضوء على حالة الغياب والاغتراب التي عشناها والبحث عن الذات التائهة.
لكنني أفضل أن أترك الحديث عن المجموعة للقارئ لأني أعتبر قراءة المجموعة الآن من حقه وحده فقط.
وقد كان متراوحاً بمجمله في شعر التفعيلة، مع بعض قصائد "ذات الشطرين" كما كان يحلو لصديقي الدكتور "حكمة شافي الأسعد" تسميتها.
هل في رأيك كتابة الشعر تحمل رسالة انسانية او وجدانية في ظل الحرب أم أنها ذات قيم جمالية وحسب؟
بالتأكيد تحمل رسالة إنسانية بالدرجة الأولى، ولا أدل على ذلك إلا فوز شاعرين كرديي الأصل بها يكتبان باللغة العربية في هذه الدورة وباسم سوريا، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على حالة التآخي والأخوة الموغلة في التاريخ والقديمة قدم الأرض. بغض النظر عن بعض أصوات النشاز من كلا الطرفين.
ما رأيك بالساحة الأدبية حاليا في ظل المد الالكتروني و وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل تجد تأثير هذه الوسائل سلبياً أم إيجابياً على الأدب؟
الساحة الأدبية حقيقةً تزخر بأسماءٍ لم تتح المنابر تكريسهم إعلامياً، هم قامات شعرية على مستوى العالم العربي
أذكر منهم إضافة إلى أسماء أصدقائي الذين ذكرتهم آنفاً، الشعراء "أيمن إبراهيم معروف" و"محمد علي خضور" و"تمام التلاوي" و"حسن بعيتي"، وكذلك صديقي الشاعر "صهيب محمد خير يوسف" وغيرهم.
وفي مجال النثر لا يسعني إلا أن أستحضر الشاعر الكبير صديقي الغالي الأستاذ سلام حلوم هذه القامة الشعرية العملاقة، و"سلام" أعتبره شخصياً أهم شاعر يكتب قصيدة النثر في كل العالم العربي. يكفي قراءة نصوص كـ (رزوق) و (الدرج) للتأكد من صدق كلامي.
وأنا حزين جداً لكل هذا الكم المجحف من التعتيم والتهميش الذي تتعرض له هذه القامة الشعرية العملاقة.
بالنسبة لوسائل التواصل الإجتماعي في الحقيقة أراه سلاحاً ذو حدين، إذ نجد بعض المواقع الإلكترونية مشكورةً بجهود القائمين عليها قد قامت بجهودٍ جبارة لرفع سوية حالة الشعر العربي وسهولة الإتاحة للمهتمين بالشعر بالاطلاع إلى مختلف التجارب بين مختلف مدارس الشعر في العالم العربي. وبالأخص موقع "القصيدة دوت كوم" وموقع "منازل الشعراء". رغم قلة الموارد المتاحة.
أما بعض المواقع الأخرى فقد كان للأسف لها دور تخريبي عبر تكريس المكرس وأسماء لا علاقة لها بالأدب.
هل تنشر في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية؟ وكيف تجد تعامل هذه المواقع مع الكتاب؟
حقيقةً أعتبر نفسي مقلاً بالنشر على المواقع الاكترونية وقد سبق أن نشرت جزءاً من نتاجي في مجلة "رسائل الشعراء" وهي مجلة إلكترونية تعنى بالشعر تصدر من قبرص وبتشجيع شخصي من صديقي الشاعر "حيدر هوري". ومن النتاجات المنشورة نجد أن ولائها الأول والأخير للشعر فقط عبر نشرها للمواهب الشابة والمغمورة.
كلمة أخيرة منك للقراء ولكانفاس..
كلمة أخيرة..
الحقيقة لا يسعني إلا أن أسلط الضوء على مأساة الأدباء السوريين المقيمين في تركيا.
حزين جداً لأن الحكومة التركية بمجرد خروجهم لن تمنحهم "فيزا" مجدداً للدخول إلى تركيا والذي يعني بطبيعة الحال حرمان الأدباء السوريين الفائزين من المشاركة في فعاليات التكريم هذه السنة وفي ورش العمل التي ستتم في نيسان.
ولا يسعني إلا أن أذكر بمأساة أخي الأديب الدكتور "مصطفى عبد الفتاح" كمثال واضح عن حالة الأدباء السوريين
بعد أن أبعدته السلطات التركية إلى السودان فاصلةً أسرته الصغيرة عنه والمتواجدة في تركيا حالياً
كل الشكر لموقع كانفاس ولكل القائمين على الموقع، متمنياً دوام التألق والإبداع.
_________________________
قامت بالحوار : مروة ملحم (كاتبة سورية)