لا تغرّد العصافير إلّا لأهوالها، الحيتان تموت وحيدة، الأشجار لا تنام. لا شك، لا شك أبداً.
الشمس تشرق طوعاً، الفراشات مخلوقات الدهشة، و النحل نحل المعجزات.
لا شك.
أنت في غابة الوصايا، رأيت مواسم الهجرات و أسرار الذاكرة، لا تنقل الصورُ أصواتَ الريح ولا ابتسامة وجهٍ من رائحة الأرض استقى الألم، و من وعد الهباء إلى الإصرار الحكيم مشى الطريق الطويل.
فلتعبر معي إذاً
وإلى الجواب سأهديك.
كي تسمو بي و بك، لا تعهدني شرخاً هائلاً على لوح أيامك، و لا تزحف إليّ جيوش نملٍ أحمر، فلتقف بجانبي و حسب، و لتشر إلى الأيام الماضية و لتصرخ : انظر، انظر عيناك تبكيان كلّ لقاءٍ مع الشمس، انظر كيف تستيقظ وحدك، كيف تنام وحدك، كيف تحلم بنسخ ماء على هيئتك و بوجهٍ كوجهك، تستيقظ و تنتظر و تتألم و تكتب كما تفعل أنت وحدك قل لي لا تمت ولا مرة أنت حيٌّ في مسرّاتي.
من أين سنسرق الضوء؟ أنكسر مصابيح الفجر أم نخطف أقماراً كي نشرب حليبها؟ أم تسمو بي و بك؟
الضوء في عيني هو أنت
الذاكرة التي لا أذكرها
الخجل الساذج
مرآتي الأكثر وضوحاً
كلّها أنت.
من أين يأتي الألم؟ أتبعُ السيل كي أسدّ ثقوب المعاني، أرى نساء الفجر ارتجف فما الشجاعة سوى صوت الأسد القناع أمام بياضٍ ثلجٍ لا تسكنه عضرسة الغرب الآثم، فليتهاوى الجسد إذاً من رؤية جمالٍ كهذا الجمال.
كجمال الشهي في ذاكرة وجود الكرز
كجمال الرقصات الغير مكتملة
كجمال روحك في المسافة الواسعة
لا تنزفني دماً
بل انزفني أياماً و ايماءات
انزفني انتظارات أخرى
انزفني لحناً اهتدي به كلّما لعنت خطاي ظلمات المغيب.
فلتكمل كلّ ما بدأت، ها الأيام حليفة بداياتك، و القمر يرضيك في الظهيرة : أم البدايات الجليلة و الحقائق المكشوفة
لا تجد القصص من يعرّف عنها، أما النهايات فكلّها مأساوية، لن تصلك يد الحظ طالما أردت قتل شعورك، أرخي قبضتك، أفلت عريّك دهشة تغوي و ليمت الأمل كلّه
أما عن نفسي فسأبقى هنا على النصف الأخر من يقظتك، لا أجيد سوى البوح بأسرارك لك.
سحرٌ كسحر أيامك الواسعة هدوءاً ينقص كلّ قصيدة
سحر كسحر أيامك ما يطلبه عقلٌ ولا يطيقه
سحر كسحر أيامك هو رجاءٌ و حسب، بكاءٌ و حسب، لعنة الرمال علينا نحن المنشدين للمجد في حاضره، و لا صبر إلّا على الشدائد فالانتظار سيجلب مزيداً من الساعات الفارغة ليضعها على بابك، لا تضئ النور، لا تصدر صوتاً، تكوّر في العتمة المريحة، اطرق أبواب الذاكرة كي تموت كلّ أشباحي، كي يأتي وجهك في موعده
قبل النهاية بلحظة.
_____________________________________________
** مجد شلغين - كاتب سوري.
* العمل للفنان البلجيكي "رينيه ماغريت"