سيدي القاضي، بداية لم أقدم على جُرمي هذا لولا وحدتي التي قضيت، ولولا هذا الشيء الذي ارتكبتهُ، لكنتُ كما أنا مجردَ ضارب طبلٍ في البرج الكبير أنام وأحيا، حين يأتي العرس أنزل أضرب الطبل وأفرح مع الجميع، بلا وجه، ثم أعود لعزلتي، لا أعرف من أين أتيت، كلّ ما أذكره أنني وجدت نفسي أكبر بين هذه الجدران، أحب الحمائم التي أربيها على السطح، ولو كان لي جيران لما أقدمت على هذا العمل، لأنهم سيرتعبون في ليالي الصيف حين يمدون رؤوسهم لرؤية كشاش الحمام صاحب الصوت والشكلّ البشع، أحب الحمائم لأنها تألفني تنقر الحب من بين يدي، ولا تهرب.
سيدي القاضي، لم أقدم على فعلتي لولا الإلهام الذي أتاني قبل ليلتين، كنت أدخل الحمامات في بيوتها، وكانت الشمس مائلة للغروب، عثرت على ورقة عليها صورة فتاة تلبس ثوباً أزرقاً، وتمسك شعرها بيدها اليمنى وفي اليسرى ترفع الثوب قليلاً ليتكشف قليل من الساق البلورية، سيدي كانت أجمل من كلّ أنواع الحمائم التي رأيت، كانت أجمل من كلّ الوجوه التي تخافني، كانت صورة امرأةٍ جلبتها الريح ونفحة حب خفية.
اعذرني لم أخبرك بعد أنني تعلمتُ النحت بمفردي، وأن النماذج التي تملأ المستودع هي من عملي، ولكنّهم نسبوها لأحد أبناء الأغنياء لكي يغطوا عاهاته الأخرى، والتي تبدأ بالغباء وتنتهي بالفشل، سيدي في ذلك اليوم الجميل بدايةً واللعين حيث انتهى وأنا جالس في قفص الاتهام، قررت أن أنزل للسوق لشراء أشياء تساعدني في مهمتي التي رسمت مخططها في مخيلتي.
نزلت قبل الغروب، وكنت قد أخفيت صَلَعي بقبعة وفمي الكبير بشالٍ رث ورثته من المكان الذي كنت أختبأ به قبلاً، وصلت السوق لم يكن هناك ما يوجب الخوف، نظرات الناس كانت عاديةً، ضحكاتهم كانت لا تتعدى ضحكات بشر يتهامسون، بدا لي الأمر كأنه حلم لطالما راودني، حين كنت أرى نفسي أمشي في الشوارع والناس تلتقط معي صوراً وبعض القبل من عابرات تُترك على خدي، والأطفال يرقصون ويغنون من حولي، سيدي كلّ شيء كان مُكتملاً وقتها، لذلك أقدمت على نزع قبعتي، لم يحدث شيء مما أخشى، تابعت طريقي الى المكان الذي أقصده عادة في وقتٍ متأخر لكي لا يراني الا صاحبه الذي يعتبرني توأمه الذي لم يحالفه الحظ ويحبه الناس، كان أكبر مني بعشرين سنة وله كرش كبير وأنف كبير، لكنه كان يقول لي، يوماً سيحبونك كما تحلم.
قررت أن أنزع الشال، وأن أسير بلا مواراة، وهنا فقط حدث الشيء الذي لم أعرف سببه تماماً، كلّ ما فعلته هو أنني لم أختبئ حين بدأت احداهن بالصراخ" خبئوا الأولاد هناك وحش طليق"، تسمرتُ في مكاني، لم أتحرك من خوفي من قُبح صوتها وشكلّها المقرف، انهالوا عليّ ضرباً بالعصي، لم أرد اللكمات والضربات، تركتهم حتى قدوم الشرطة التي لم تسألني حتى ماذا فعلت، وتم سجني قبل المثول أمامكم، ولكن ما زلت حقاً لا أعرف أي الجرائم اقترفت.
سيدي إذا كان جرمي أنني ذهبت لشراء لوح حجر لنحت جسم الأنثى التي رأيت في الصورة، وأنني كنت أحاول العبث بالحجارة، فلماذا أُحاكم على شكلي إذا كان لكم نحت مختلف، ولي نحت لا يروقكم، سيدي أرجوك لا أريد أن تشفق علي، ولكن أخبرني هل حقاً هذا جرمي؟
أم أن الجميلة ابنة إله وانكشفت على قبيح لا يروق لعبيد الأب؟
___________________________
**محمد حاج حسين - كاتب سوري
* اللوحة للفنان السوري "سبهان آدم"