01 Jun
01Jun

والعود لايفارق صاحب الشلالات، ولولاه لم يكن للعود قيمة كما اليوم في العالم، جميل بشير والذي حفظ للعراق ألحانه وأصواته في الخمسينيات والستينات، ذلك أنه قدم ما لم يكن قد سبقه إليه أحد، حيث كان يعزف في عصور متقدمة كأنه شلالات لحن العراق المنسابة، أول الزمان وأخره.

طفل الموصل الجميل :

ولد "جميل بشير" في الموصل 24\9\1921، لعائلة عراقية سريانية، كان لوالده صوته الجميل الذي جعله شماساً يرتل الأذكار الدينية، وكان بجانب ذلك عازفاً وصانعاً للعود.
البيت كانت يحيا بالموسيقى، تشرّب الطفل المولع بالكمان حبه للحن من البيت، فبدأ بالعود الذي كان متداولاً أمامه، ثم انطلق لتعلم الكمان في الموصل.

في الرابع الابتدائي كانت بداية الرحلة مع الكمان، وكان مصروفه ومدخراته تذهب لشراء أسطوانات تحتوي تسجيلات أمير الكمان "سامي شوا".

في منتصف الثلاثينات انتقل إلى السنك ثم إلى البتاوين بالباب الشرقي، حيث وجد المكان المناسب لصقل مواهبه، حين دخل المعهد الموسيقي العربي الذي أسسه الشريف "محي الدين حيدر" عام 1936، وأصبح فيما بعد "معهد الفنون الجميلة" وكان جميل بشير من بين الدفعة الأولى التي تخرجت من المعهد.

ومن السنة الأولى ذاع صيت جميل بشير، حيث كان يتلمس خطواته الكبيرة على يد الموسيقار الروماني "سانودو ألبو"، ثم بدأ تعلم العود على يد المعلم "الشريف محي الدين حيدر"، وبرع وأبدع حتى أصبح مدرساً في نفس المعهد، معطياً لأجيال كثيرة، هويتها التي رسمت اللحن العراقي.

يقال أنه منح للعود شخصية جديدة، اكتشف كل خفاياه، فظهر العود كما لم يظهر قبلاً، وكما لن يظهر بعده إلا وصورة جميل بشير مرتسمة في درب من يمسك الآلة وأوتارها.

أنهى الدراسة وتخرج عام 1943، عُيّن مراقباً في وزارة المعارف للأناشيد المدرسية، فلحّن أغاني الأطفال التي عمّت في كلّ مدارس العراق، جُمعت ونُشرت في كتاب بعنوان "مجموعة أناشيد المدرسة الحديثة" عام 1948، وكان عضواً في الفرقة الموسيقية للآذاعة العراقية، ثم ترأسها وترأس قسم الموسيقى في التلفزيون.

حين هُجر اليهود من العراق، كان المشهد الموسيقي العراقي على وشك كارثة جحيمية، حيث غادر العازفون والملحنون الكبار وعلى رأسهم الأخوين الكويتي، ولولا وجود جميل ومنير بشير اللذان لملما الموسيقى العراقية وحفظاها من الضياع، فأكملا مشوار "صلاح الكويتي" حين جمعا الأغاني والموسيقين، وكانت الموسيقى التي يقدمانها فيها إصرار من يريد إيصال العراق أبعد من الرافدين، ووصلت.

ثم أشرف (جميل) على كل النتاجات الموسيقية وقتها، ورافق المطربين جميعاً في تسجيلاتهم، فكان برفقة المقاميين الأوائل أمثال "محمد القبانجي ويوسف عمر ..وغيرهم" والمطربات كزهور حسين وصديقة الملاية وكثيرات صدحن بالآه العراقية، وألحان جميل بشير المعلم الكبير و "الوتر الطروب" كما لُقب وقتها.

كان بوصلة لمن يريد تعلم العود، ألّف كتاباَ من جزأين، يُعد أهم كتاب في تاريخ العود، " العود وطرق تدريسه" المصدر الأول للمتعلم حيث يحتوي على نظريات الموسيقى العربية ودراسة أكاديمية وعلمية لآلة العود.

في كل ما قدمه الجميل وقتها، كان يُثري بكمانه وعوده الأغنية التي تسجل، حيث اللمسة واضحة، سجل أغان عراقية وأغانٍ كردية، حيث كان يؤلف ويغني باللغة الكردية، إلا أنه لم يؤدِ كثيراً واكتفى باللحن والعزف متخلياً عن الغناء.

مرّ اللحن لأجيال عاصرها "جميل بشير"، باتت المدرسة التي كان معلمها هوية اللحن العراقي، أثرت في دول تتداول العود، سجلت الأغاني والألحان الخاصة بها على يد جميل بشير كالكويت وسوريا، أصبح العود آلة شعوب برمتها من بعده، لم تخمد الشعلة إلى اليوم، كل الذين مروا من العراق وبه أو قرب وتر العود في أي مكان، التقوا "جميل بشير"ولو دون معرفة لما يُسمع، رحل في 22 أيلول 1977 في لندن، إلا أن الشلال لم يتوقف إلى اليوم، كلّ شلالات "جميل بشير" لم تنتهِ، ولن.

تم عمل هذا الموقع بواسطة