«البطاطا من عند جارنا».
إنها أشهر لافتة علّقت في «شي آندريه»، لسنوات طويلة.
كانت لها وظيفة جدية. هي تشير للرّوّاد والزّبائن بأن بوسعهم جلب علب أو صحون بطاطا مقلية من مطعم «الكومودور» الذي يبعد أمتاراً قليلة عن المكان على رصيف شارع «الحمراء».
لم تكن البطاطا المقلية من بين الأطباق التي يقدّمها «شي آندريه».
عام 1967، ولسبب غير معروف، سوى حبه لسحر بيروت، أتى آندريه شيفانيان، فرنسي من أصول أرمنية، من «نيس»، ليستقر في العاصمة اللبنانية ويفتح حانته الصغيرة التي حملت اسمه.
لم يكن «شي أندريه» على رصيف «الحمراء». انزوى، وسط الشارع الصاخب، في مدخل «بناية ربيز»، تجاوره «مكتبة لبنان»، وإلى جانبها محل صيرفة لرجل من آل الكوراني. فوقه، صالون المزيّن النسائي الشهير ايلي ربيز، ومحل لبيع العطور الأصلية والمقلّدة، محل لا اسم له، سوى «محل أبو محمد».
آنذاك، كان زياد دون الحادية عشرة من عمره، ولن يصبح جزءاً من المكان حتى أواسط السبعينيات.
فعلياً، المكان هو الذي سيصبح جزءاً من مشهدية المدينة في أعمال زياد، حين سيستقر في سكن قريب في شارع مواز، بيته البيروتي الأول.
كان أندريه محظوظا منذ انطلاقته، رغم أن حانته الصغيرة لا تمتلك إغراءات حقيقية تجعلها تنافس الحانات والمقاهي الكثيرة الموجودة في الجوار.
شخصية الرجل نجحت، فنجح معها المحل المتواضع، لدرجة أنه استقطب روادا من عيار شارل أزنافور وداليدا وجوني هوليداي، وسواهم من نجوم الأغنية الفرنسية، خلال زياراتهم إلى لبنان لإحياء حفلات في فنادق بيروت ومسارحها.
صور هؤلاء الذين «مروا من هنا»، كانت تمنح المكان جاذبية فريدة.
لا يمكن لأكثر المخيلات انفلاتا أن تصدّق بأن ركنا ً بالكاد يتسع لبار وبضع طاولات، يمكن أن يجتذب نجوما عالميين في ذروات شهرتهم.
إنها «الأعجوبة البيروتية» التي صدّقها الجميع، وأوّلهم الفرنسي الأرمني أندريه.
كل ذلك كان قبل زياد.
كانت، آنذاك، جورجينا رزق التي ستصبح ملكة جمال لبنان، ثم ستكون العربية الأولى والأخيرة التي تحصد لقب «ملكة جمال الكون» عام 1971.
في «شي اندريه» التقت جورجينا صديقها الشهير فيليب، وبدوره سيصبح أشهر «بوي فراند» في السبعينيات. لقد خطف قلب «الملكة» التي ستصبح، بعد فترة قصيرة، زوجة «أبو حسن سلامة»، القائد الفلسطيني «اللغز»، وصاحب لقب «الأمير الأحمر».
اغتيل «أبو حسن» في بيروت عام 1979، في واحدة من عمليات الموساد «الإسرائيلي» الأكثر إثارة على الإطلاق. وبعد سنوات تزوجت جورجينا المطرب وليد توفيق.
اشتهر «شي أندريه»، بكل ما فيه، بالصور والأطباق والرواد، ويبقى حائط ربطات العنق المقصوصة، الجزء الأكثر تشويقا في الخرافة.
تقول الرواية التي أشاعها أندريه، بأن هذه الأجزاء المقصوصة من ربطات العنق، إنما يعود كل جزء منها إلى شخص بلغت به الثمالة الحدّ الذي يسمح بأن يتم قص قطعة من ربطة عنقه، والاحتفاظ بها معلّقة على الحائط، للذكرى.
بشكل أو بآخر، يمكن أن نسمّيه «حائط السكارى».
يجد المرء لدى «شي أندريه» كل أصناف الكحول، من «البيرة» المحلية والأجنبية و«الكبس»، إلى الويسكي الفاخر الذي قد يصل ثمن كأس منه إلى سبعين ليرة، أي نحو خمسة وعشرين دولارا في ذلك الزمن.
والأطباق، باردة وساخنة، اللبنة والجبنة والبيض المسلوق و«الحلّوم المشوي» والبسطرما والسجق والطاووق، وصولا إلى الطبق الذي اخترعه اندريه وأسماه «البابانيا نيسواز»، وهو تقليد مبدع لطبق «السالاد نيسواز» الشهير.
لحظة وطأ زياد «شي أندريه»، غلب الجميع. تراجع نجوم الأغنية الفرنسية والأميركية. احتلت صوره الجدران. مع الوقت، ارتبط اسم المكان به، سواء أحبّ أو لم يحب.
من لم يكن يجد طريقا يوصله إلى ابن الرحباني الشاب، كان «يداوم» في «شي اندريه» ليصطاده هناك.
________________________________
** طلال شتوي - كاتب لبناني
* الصورة :غلاف "زمن زياد/ قديش كان في ناس" عن دار الفارابي